للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ب) تعريف الاستصناع عند الحنفية بالحد:

(١)

وقد اختارت الموسوعة الفقهية تعريف الكاساني للاستصناع وهو: عقد على مبيع في الذمة، شرط فيه العمل على الصانع (٢)

وقال ابن عابدين: هو: طلب العمل من الصانع في شيء خاص على وجه مخصوص (٣) أي يكون العقد على شراء ما سيصنعه الصانع، وتكون العين والعمل من الصانع، فإذا كانت العين من المستصنع لا من الصانع فإن العقد يكون إجارة لا استصناعًا (٤)

ولو لم يشترط فيه العمل لا يكون استصناعًا، بل يسمى: سلما.

فإذا أتى الصانع بعين صنعها قبل العقد، رضي بها المستصنع، فإنما جاز لا بالعقد الأول بل بعقد آخر، وهو: التعاطي، بتراضيهما (٥)

وبهذا نعلم أن الاستصناع هو غير السلم وغير الإجارة عند الحنفية، لأن السلم هو بيع آجل بعاجل، أي بيع شيء غير موجود بثمن حال، والإجارة هي عقد على المنافع بعوض، أما الاستصناع فهو: الاتفاق على عمل الصانع بأن يصنع شيئًا نظير عوض معين بخامات من عنده.

وهو يشبه السلم لأنه بيع المعدوم، وأن الشيء المصنوع ملتزم به عند العقد في ذمة الصانع البائع، ولكنه يفترق عنه من حيث إنه لا يجب فيه تعجيل الثمن، ولا بيان مدة الصنع والتسليم، ولا كون المصنوع مما يوجد في الأسواق.

ويشبه الإجارة أيضًا، لكنه يفترق عنها من حيث أن الصانع في الاستصناع يضع مادة الشيء المصنوع من ماله. (٦)

وبما أن الفقهاء كغيرهم اشترطوا في كل حد أن يكون جامعًا مانعًا، فلا يكون التعريف الذي اختير للاستصناع حدًّا إلا إذا كان جامعًا لجميع أفراده، ومانعًا من دخول أي عقد من العقود هو خارج عن الاستصناع، فقولنا: هو عقد، إخراج لقول من قاله: إنه مواعدة، أي وعد بالبيع، إذ الوعد ما يطلبه الطالب فيعده صاحبه بإنفاذ ما يطلب، ولكنه لا يلزم به قضاء، لأنه ليس بعقد، بينما الاستصناع عقد يجري فيه التقاضي، ويجب الإيفاء به (٧)

القاعدة المعروفة عند الفقهاء أن التقاضي لا يكون في الموعود، وإنما يكون في الواجب.

وكذا أثبت الفقهاء في الاستصناع خيار الرؤية، وهذا الخيار يختص بعقد البيع.

والاستصناع إنما جاز اعتباره عقدًا بالقياس والاستحسان، والوعد بالبيع لا يتوقف إثباته على دليل (٨) وهذه الفوارق هي التي وجه بها محمد الاستصناع.

وقولنا: على مبيع يدل على أن شيئًا مخصوصًا ذكرت مادته ومواصفاته، يباع، وهذا القيد أخرج الإجارة أنها عقد على عمل من الأجير.

وقولنا: في الذمة يدل على أن المقصود هو بيع خاص لا البيع المطلق، لأن من شروط البيع المطلق أن يكون المبيع مقبوضًا في المجلس.

وقولنا: شرط فيه العمل، قيد أخرجنا به السلم، لأن السلم هو بيع عاجل بآجل، ويشترط فيه قبض المال قبل افتراق العاقدين، أما الاستصناع فلا يشترط فيه القبض.

وقولنا: على الصانع، قيد يميز الاستصناع إذ السلم لا يشترط فيه الصنع، بينما الاستصناع قائم على الصنع.

وجاء في البدائع: أن الصانع إذا أتى بعين صنعها قبل العقد، ورضي بها المستصنع، جاز وجواز هذا لا بالعقد الأول، بل بعقد آخر هو التعاطي، بتراضيهما (٩)

وبهذا أخرج هذا الحد: الوعد بالبيع، والإجارة، والسلم، والبيع المطلق، والتعاطي، فكان تعريفًا جامعًا مانعًا.


(١) الحد هو لفظ وجيز يدل على طبيعة الشيء المخبر عنه، (الأحكام، لابن حزم: ١/٣٤)
(٢) بدائع الصنائع: ٥/٢
(٣) حاشية ابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار: ٥/٢٢٣
(٤) الفقه الإسلامي وأدلته، للزحيلي: ٤/٦٣١
(٥) بدائع الصنائع: ٥/٢
(٦) الفقه الإسلامي وأدلته: ٤/٦٣١
(٧) بدائع الصنائع: ٥/٢
(٨) موسوعة جمال عبد الناصر: ٧/٩١
(٩) الكاساني: ٥/٢

<<  <  ج: ص:  >  >>