للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الشافعية فإنهم لا يقولون بالاستحسان، ولذا استنكر الشافعي العمل بالاستحسان، وقال: (من استحسن فقد شرع) .

على أن من قال بالاستحسان لا يقول به اعتباطا، بل لابد له من مستند يستمد منه حجيته، وهو ما يعبر عنه بوجه الاستحسان، وهو في الغالب حاجة الناس الملحة إلى ذلك، لأنه قلما يوجد في السوق ما يتطلبه الإنسان على وجه المطلوب، فيحتاج أن يستصنع، فلو لم نقل بالجواز لوقع الناس في حرج، والدين يسر وليس بعسر، والله تعالى يقول {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (١)

وحكم الاستصناع إنما يضاف ثبوته إلى السنة أو الإجماع أو القياس، أما الاستحسان فإنما يراد به، في الغالب: قياس خفي يقابل قياسًا جليًّا.

وقد عده عدد آخر من الفقهاء من العرف العام. قال مصطفى الزرقاء: العرف العام هو الذي يكون فاشيًا في جميع البلاد بين جميع الناس في أمر من الأمور، وذلك كالاستصناع في كثير من الحاجات واللوازم، من أحذية وألبسة وأدوات وغيرها، فإن الناس قد احتاجوا إليه، ودرجوا عليه من قديم الزمان، ولا يخلو اليوم من التعامل به مكان، وقد أصبح جاريًا في جميع الحاجات (٢) ، والحقيقة أنه لا منافاة بين كل هذه الأقوال.

فاعتباره من الاستحسان، لأننا قدمنا فيه العمل بالقياس الخفي على القياس الجلي، وهو مسمى الاستحسان عند الحنفية.

واعتباره من العرف العام، لأن تعامل الناس به من أقدم العصور هو مبني على استحسان بعض الأعراف التي تحل حاجات المجتمع، وهو الذي فسره الغزالي في المستصفى (٣) ،وهو ما استقر في النفوس من جهة العقول، وتلقته الطباع بالقبول، والذي سماه فقهاء المسلمين: إجماعًا.


(١) سورة الحج: الآية ٧٨
(٢) المدخل الفقهي: ٢/٨٣٨
(٣) المدخل الفقهي العام: ٢/٨٣٨

<<  <  ج: ص:  >  >>