للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السنة القولية تجيز الاستصناع:

ويرى بعض فقهاء الحنفية أن الاستصناع لم يكن دليله الاستحسان فقط، وإنما كان دليله السنة القولية، واستشهدوا بحديثين لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

الحديث الأول:

ما رواه نافع عن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتمًا من ذهب، وكان يجعل فصه إلى باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه وقال: إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل، فرمى به ثم قال: لا والله لا ألبسه أبدًا، فنبذ الناس خواتيمهم (١)

وقد استشهد بهذا الحديث الفقهاء وأهل اللغة في حديثهم عن الاستصناع (٢) وفي تفسيرهم مادة صنع (٣) ، مع أنه حديث لم يرو في الصحاح، وإنما روى في كتاب النهاية في غريب الحديث (٤) وعقب عليه صاحب الاعتبار بأنه حديث صحيح ثابت، وله طرق في الصحاح، وهو حديث نص في معنى الاستصناع.

الحديث الثاني:

الحديث الذي رواه البخاري، أن الرسول صلى الله عليه وسلم استصنع المنبر رواه عن أبي حازم بن دينار: (إن رجالًا أتوا سهل بن سعد الساعدي وقد امتروا في المنبر مم عوده فسألوه عن ذلك، فقال: والله لا أعرف مم هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة (امرأة قد سماها سهل) : مري غلامك النجار أن يعمل لي أعوادًا أجلس عليهن إذا علَّمت الناس. فأمرته، فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بها فوضعت ها هنا) (٥)

إن حديث المنبر وإن استشهد به فقهاء الحنفية (٦) إلا أنه لا يعتبر نصًّا صريحًا يدل على تجويز الرسول للاستصناع، لأن الروايات مختلفة في الصنع: أهو رغبة من الرسول وإنجاز من المرأة والغلام؟ وهذا لا يدل على أنه عقد استصناع أو هو عقد استصناع من الرسول نفسه نفذته المرأة؟


(١) كتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ: أبو بكر محمد الحازمي الهمداني: ص٢٣١
(٢) فتح القدير: ٦/٢٤٢؛ ومجمع الأنهر: ٢/١٠٦
(٣) ابن منظور: ٢/٤٨١
(٤) النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير: ٣/٥٦
(٥) فتح الباري شرح صحيح البخاري: ٢/٣٩٧، وعمدة القاري: ٦/٢١٤
(٦) فتح القدير: ٦/٢٤٢، ومجمع الأنهر: ٢/١٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>