هذا ما انتهيت إليه في بحثي عن الاستصناع والمقاولات في العصر الحاضر، فقد حاولت فيه أن أتعرض إلى بعض المقارنات بين مذاهب الفقه الإسلامي، وقانون الالتزامات والعقود المعمول به في المحاكم المدنية، حتى أتمكن من إبراز أوجه التقارب والتباين بين هذه الآراء في خصوص عقد الاستصناع وما اتصل به من عقود.
إن هذا العقد تطور كثيرًا في هذا العصر وأخذ أبعادًا كثيرة، وكبيرة حتى صار من أكثر العقود انتشارًا في الحياة التجارية والصناعية، سواء في الميدان الداخلي أو الخارجي. وهذا ما فرض على الدول الإسلامية أن لا تكتفي بما وصلت إلى مجلة الأحكام العثمانية التي واكبت النهضة الصناعية إلى سنة ١٢٩٦هـ تاريخ صدورها ثم صدور الأمر السلطاني بلزوم العمل بها في كافة الدول الإسلامية.
ومن ذلك التاريخ أصبحت الأحكام المدنية تتطور في كل بلد، إذ تولدت أنواع من الحقوق لم تكن معهودة من قبل، كامتياز المؤلف والمخترع والملكية الأدبية والصناعية والاسم التجاري وتطور العلائق الاقتصادية، كما تطورت الطرق التجارية كتجارة التوصية والتأمين.
والحاجة إلى اعتبار الشروط العقدية التي يمنع منها الاجتهاد الحنفي المعمول به في مجلة الأحكام وازدياد الزمن قيمة في الحركة الاقتصادية حتى أصبح تأخر المستصنع في دفع الثمن أو تأخر الصانع في تسليم ما تعهد بصنعه مضرًّا بالطرف الآخر، فوجب التفكير في مخرج لكل هذه الأمور وغيرهم في نطاق الفقه الإسلامي من مجموع المذاهب الإسلامية.
كل ذلك اجتنابًا لما جرى به العمل حتى الآن، إذ سارت كل دولة إسلامية حسب نظرة خاصة أو إقليمية، فعدلت أو نسخت ما أملت عليها ظروفها ومصالحها التصرف فيه وصاغته في قوانين وضعية ربما خالفت الشريعة الإسلامية.
والذي ندعو إليه هو صياغة هذه القوانين الجديدة صياغة إسلامية عامة لا تلتزم مذهبًا معينًا وتتماشى مع التطور وتلبي حاجات الناس الجديدة في هذا الزمن.
واعتقادنا أن "مجمع الفقه الإسلامي" هو المؤهل اليوم للاضطلاع بهذه المهمة وذلك بتكوين لجنة أو لجان تنجز مثل هذا المقترح بالاعتماد على ما صدر عن المجامع الفقهية والهيئات الدينية من أحكام وقوانين وفتاوى في كل باب.
عسى ذلك أن يساعد المسلمين في عامة بلدانهم على الخروج من الحرج الذي يقعون فيه يوميًّا في معاملاتهم، ويصير مرجعًا يعتمدونه إذ يدلهم على حكم الله تعالى فيما استجد أو يستجد من الأحداث.