للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ما يتصل بأدلة الجواز من الإجماع العملي، والاستحسان، وأما من رأى أن حكم جواز الاستصناع يعتمد - قبل ذلك - على السنة فيذكرون في ذلك حديثين:

أولهما حديث استصناع الرسول صلى الله عليه وسلم خاتمًا (١) .

وهذا ما جعل شارح المجلة العدلية يقول: الاستصناع (ثبتت مشروعيته بالسنة وإجماع الأمة) ، (أما السنة فقد استصنع النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم) (٢) .

ثانيهما: ما روي من أن الرسول صلى الله عليه وسلم استصنع المنبر، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي حازم قال: (أتى رجال سهل بن سعد يسألونه عن المنبر، فقال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة امرأة قد سماها سهل: أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادًا أجلس عليهن إذا كلمت الناس، فأمرته بعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء فأرسلت إلى رسول صلى الله عليه وسلم بها فأمر بها فوضعت فجلس عليه) .

وفي رواية أخرى بصحيح البخاري - أيضًا - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن امرأة من الأنصار قالت لرسول لله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه، فإن لي غلامًا نجارًا، قال: "إن شئت" فعملت له المنبر، فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الذي صنع..) (٣) .

قال القسطلاني في تعقيبه على الروايتين: (يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغها أنه يريد عمل المنبر، فلما بعث إليها بدأته بقولها: ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه؟ فقال لها: "مري غلامك" فعملت له المنبر) . (٤) .

غير أن الاستدلال بحديث المنبر على الاستصناع، واعتباره من أدلة السنة في الجواز لم يكن محل اتفاق من العلماء، فهل تم الاستصناع فيه بالمعنى اللغوي من طلب الصنعة؟ أم هو هدية من صانعه للنبي صلى الله عليه وسلم؟


(١) شرح فتح القدير: ٥/٣٥٥
(٢) انظر درر الحكام: ١/٣٥٨، وانظر الاعتبار: ص٢٣١ و ٢٣٢
(٣) انظر فتح الباري: ٤/٢٦٨، وإرشاد الساري: ٥/٦٧، ٦٨.
(٤) انظر فتح الباري: ٤/٢٦٨، وإرشاد الساري: ٥/٦٧، ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>