للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكون الجواز عندهم بالاستحسان، ووجه الاستحسان:

- إجماع الناس على ذلك، لأنهم يتعاملون بذلك في سائر الأعصار. وقد ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (.. فما رأى المسلمون حسنًا فعند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيء) (١) .

والقياس يترك بالإجماع، ولهذا ترك القياس في دخول الحمام بالأجر، من غير بيان المدة، ومقدار الماء الذي يستعمل، وفي شراء البقل وغيره من المحقرات.

- ولأن الحاجة تدعو إليه، لأن الإنسان قد يحتاج إلى خف أو نعل، من جنس مخصوص، ونوع مخصوص، وعلى قدر مخصوص، وصفة مخصوصة، قلما يتفق وجوده مصنوعًا، فيحتاج إلى أن يستصنع، فلو لم يجز لوقع الناس في الحرج (٢) .

قال الإمام القسطلاني في تناوله لحديث الخياط: (إن فيه جواز الإجارة على الخياطة ردًّا على من أبطلها بعلة أنها ليست بأعيان مرئية، ولا صفات معلومة.

وفي صنعة الخياطة معنى ليس في سائر ما ذكره البخاري من ذكر القيمة، والصائغ والنجار، لأن هؤلاء الصناع إنما تكون منهم الصنعة المحضة بما يستصنعه صاحب الحديد والخشب والفضة والذهب، وهي أمور من صنعة يوقف على حدها، ولا يخلط بها غيرها.

والخياط إنما يخيط الثوب في الأغلب بخيوط من عنده، فيجتمع إلى الصنعة الآلة، وإحداها معناه النجارة، والأخرى الإجارة، وحصة إحداهما لا تتميز من الأخرى، وكذلك هذا في الخراز والصباغ إذا كان بخيوطه، ويصبغ هذا بصبغه على العادة المعتادة فيما بين الصناع. وجميع ذلك فاسد في القياس. إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم على هذه العادة أول زمن الشريعة فلم يغيرها.

إذ لو طولبوا بغيره لشق عليهم فصار بمعزل عن موضع القياس، والعمل به ماض صحيح لما فيه من الإرفاق (٣)

وقد خرج الجواب عن القول بأنه معدوم:

- لأنه ألحق بالموجود لمساس الحاجة إليه، كالمسلم فيه، فلم يكن بيع ما ليس عند الإنسان على الإطلاق.

- ولأن فيه معنى عقدين جائزين، وهو السلم والإجارة، لأن السلم عقد على مبيع في الذمة، واستئجار الصناع يشترط فيه العمل، وما اشتمل على معنى عقدين جائزين، كان جائزًا (٤) .


(١) رواه الإمام أحمد في مسنده: ١/٣٧٩
(٢) أنظر أحكام المعاملات المالية في المذهب الحنفي: ص٥٥٧
(٣) انظر إرشاد الساري، للقسطلاني: ٥/٦٦ و ٦٧
(٤) انظر أحكام المعاملات المالية في المذهب الحنفي: ص٥٥٧، وانظر بدائع الصنائع: ٦/٢٦٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>