للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل الاستصناع مواعدة أم بيع؟

وبعد تعريف "الاستصناع" لغة واصطلاحًا وبيان حكمه نجد هذا التساؤل الذي أثاره اتجاه بعض الفقهاء في اعتبار "الاستصناع" مواعدة، في حين اعتبره الجمهور عقد بيع.

فإذا طلب إنسان من صانع أن يصنع له شيئا، واتفق على وصفه وقدره، وزمنه، وثمنه بين الطرفين فهل يسمى هذا مواعدة، أم عقدًا؟

وبمعنى آخر هل قبول الصانع لما قاله المستصنع يعد وعدًا منه، إن وفى به كان مأجورًا ومثابًا على الوفاء، وإلا كانت فيه خصلة من النفاق، دون أن يترتب على عدم الوفاء أثر قضائي؟

إن ضرورة الاستصناع في حياة الناس، وحاجتهم إليه تجعل وجهة الجمهور. والتي سنفصل القول في أدلتها - إن شاء الله - محل تقدير واعتبار، لأن ترك هذا الوفاء الصانع يتبعه فوات مصلحة المستصنع، وضياع ماله، فهو يطلب شيئًا بمواصفات خاصة ويدفع مالًا، ويوافق الصانع على ذلك وهذه عناصر العقد التي تتبع بالإلزام، ويترتب عليه الضمان، كما يكون معه الشرط الجزائي الي يعين كلا الطرفين على الوفاء، وإلا ضاعت الثقة بين الناس وخاصةً عندما يكثر الطلب على الصناع، وأمام إغراء المال، تقبل الطلبات، وتعطى الوعود، دون صدق فيها، ودون إتقان يفي بالمواصفات. وإذا كان الشرط الجزائي لم يكن معروفًا بهذا الاسم من قبل، فإن معناه كان متبعًا في القرون الفاضلة.

فقد روى البخاري رحمه الله بسنده عن ابن سيرين أن رجلًا قال لكريه: (أدخل ركابك، فإن لم أرحل معك يوم كذا أو كذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه) .

وقال أيوب: عن ابن سيرين أن رجلًا باع طعامًا وقال: (إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجىء فقال شريح للمشتري: أنت أخلفت فقضى عليه) (١)


(١) ١ انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري: ٥/٢٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>