بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بين أيديكم في هذه الجلسة موضوع (عقد الاستصناع) ، والعارض هو الشيخ علي السالوس والمقرر هو الشيخ سعود الثبيتي. تفضل يا شيخ علي:
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
عقد الاستصناع حظي بدراسات كثيرة على الأخص بعد أن أصبح وسيلة هامة من وسائل التمويل في البنوك الإسلامية، وبديلًا شرعيًّا لحالات الإقراض الربوي، وأمامنا هنا أربعة عشر بحثًا، بعضها يحتاج إلى يوم كامل لقراءته، نظرت فيها قدر الاستطاعة، ومما يسر الرجوع إليها أن هناك أشياء متشابهة، فبالنسبة للعقد عند المذاهب الأربعة لا يكاد يكون هناك خلاف، وبالنسبة للآراء التي ينفرد بها بعض الإخوة، هذه يكفي أن نشير إليها، فإذا شاء أحدهم أن يبين رأيه فهو أقدر على بيانه مني، والاستصناع من العقود المسماة عند الحنفية فقط، أما المذاهب الثلاثة فإنهم لا يعدونه عقدًا مستقلًّا كما سيأتي في بيان الحديث عنه وننظر إلى الاستصناع عند المالكية والشافعية والحنابلة، ونترك الحنفية للآخر لأن عندهم تفصيلات كثيرة، في الأبحاث – أكثر الأبحاث – ينتهي إلى ما يأتي، علما بأن المذاهب الثلاثة لم تجعل الاستصناع عقدًا مستقلًّا وإنما جعلوه ضمن السلم.
فالمالكية خصصوا جزءًا من كتاب السلم للسلم في الصناعات، أو السلف في الصناعات. وضربوا أمثلة لما كان يصنع في عصرهم وأجازوه بشروط السلم.
أما الشافعية فقد أجازوا السلم فيما صنع من جنس واحد فقط، كالحديد أو النحاس أو الرصاص أو غيرها، ولم يجيزوه فيما يجمع أجناسا مقصودة لا تتميز، كطست من نحاس وحديد، وكالغالية وهي مركبة من دهن مع مسك وعنبر أو عود وكافور. وجعلوا مثل هذا، لا يجوز إلا يدًا بيد، وإجازتهم ما صب في قالب لا يخرج عن قولهم هنا، فإنهم لم يجيزوه إلا بالشرط السابق، أي أن يكون الأصل المذاب في القالب من جنس واحد، وما نقل من أقوالهم ينص على هذا الشرط، وقد جعل الإمام الشافعي هذا الشرط عاما حيث قال بعد ذكره:(وهكذا كل ما استصنع) . أما ما يجمع أجناسا مقصودة تتميز كالقطن والحرير، فهو موضع خلاف بينهم، والأصح في المذهب الجواز بشرط علم العاقدين بوزن كل من أجزائه.