والحنابلة لا يكادون يختلفون عن الشافعية إلا في القليل من الفروع التطبيقية. ومن هذا نرى أن المذاهب الثلاثة أجمعت على عدم جواز الاستصانع إلا بشروط السلم، غير أن المالكية أجازوا استصناع أي شيء مما يعمل الناس في أسواقهم من آنيتهم أو أمتعتهم التي يستعملون في أسواقهم عند الصناع، على حين لم يجز الشافعية والحنابلة من هذه الأشياء ما جمع أجناسا مقصودة لا تتميز، هذه خلاصة ما جاء عن الاستصناع في كتب المذاهب الثلاثة.
ننتقل بعد هذا إلى الاستصناع عند الحنفية، ونخرج زفر من الحنفية لأنه خالفهم في هذا ولم يوافق على قولهم في الاستصناع، وإنما هو مع الشافعية، ويؤخذ من كلام الحنفية أنهم اختلفوا في تحديد معنى الاستصناع أيعد مواعدة أم بيعا؟ ولكن الصحيح في المذهب أنه بيع، واستدلوا على هذا، ثم اختلفوا كذلك أهو عقد على مبيع في الذمة أم عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل؟ والصحيح في المذهب هو اشتراط العمل، بعد هذا نجد أن الحنفية استدلوا لمشروعية هذا العقد بالسنة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام استصنع خاتما ومنبرًا وبالإجماع الثابت بالتعامل، وبالاستحسان.
وإذا نظرنا في أدلة الحنفية وجدنا أن السنة المطهرة ليس فيها ما يدل على أن هذا تم بالطريقة التي قال بها الحنفية، وكذلك الإجماع لأنه لو كان هناك إجماع فالمخالفون أكثر من الحنفية، والحنفية أنفسهم قالوا بأن الإجماع بالنسبة للاستصناع من الناحية العملية، ولكن هذا الإجماع الفعلي أهو مواعدة (وعد) أم هو بيع أم إجارة؟ فهم يعترفون بأن هناك خلافا في هذه الناحية. وبالطبع لو كان وعدًا فلا خلاف ولو كان إجارة فلا خلاف وإنما الخلاف في أن يكون بيعا.
بعض الإخوة الباحثين أخذ يؤيد رأيهم بالسنة والإجماع. ويعارض الجمهور في هذا، ووجدنا من الإخوة الآخرين من بين أن السنة والإجماع لا يؤيدان ما ذهب إليه الحنفية.