الدليل الرئيسي – فعلًا – للحنفية هو الاستحسان: هذا هو الأساس.
بعد هذا ننتقل إلى شروط جوازه، فنرى أن الحنفية يشترطون لجواز الاستصناع ما يأتي:
أولًا: بيان جنس المستصنع وبيان نوعه وقدره وصفته لأنه لا يصير معلوما بدون هذا البيان، وهذا الشرط لا ينفردون به حيث إنه من شروط السلم.
ثانيا: أن يكون مما يجري فيه التعامل بين الناس.
ثالثا: ألا يكون فيه أجل، وهذا قول الإمام أبي حنيفة وخالفه الصاحبان، ويلاحظ عند ذكر الأجل فيما يجري فيه التعامل، أن رأي الإمام أبي حنيفة لا يختلف عن السلم في الصناعات عند المالكية.
هذه هي الشروط التي اشترطوها لجواز الاستصناع، وهنا نرى الفرق بين الاستصناع والسلم، وكثير من الإخوة تحدث عن الفرق بالتفصيل (توسع) . فالشرط الأول: هو من شروط السلم، والشرط الثاني: أن يكون مما يجري فيه التعامل بين الناس – هذا ليس من شروط السلم، والشرط الثالث: ألا يكون فيه أجل – عكس السلم أساسا وإن أجاز بعضهم السلم بغير أجل كالشافعية، ويضاف هنا فارق أساسي جوهري وهو اشتراط تقديم الثمن في السلم وعدم اشتراط هذا في الاستصناع، وبالطبع عند الماكية التأجيل لفترة معلومة.
تحدث الحنفية بعد هذا عن حكم الاستصناع، وبالرجوع إلى كتبهم (الهداية وشروحها) و (تحفة الفقهاء) و (بدائع الصنائع) وغير هذه الكتب، لأن بعض الإخوة – أو ربما أحد الأخوة فقط – خالف في هذا، من النقول من هذه الكتب يؤخذ ما يأتي:
الاستصناع عقد غير لازم قبل العمل لكل من المتعاقدين، وهذا لا خلاف حوله عند الحنفية، لا يختلفون في هذا أبدًا جميع الحنفية، وهو كذلك غير لازم بعد الفراغ من العمل قبل أن يراه المستصنع، حتى لو انتهى منه ولكن لم يعرضه على المستصنع، (وعقد لازم) فللصانع أن يبيعه لمن شاء والمستصنع ليس مجبرًا.
اختلف الحنفية في الحكم إذا أحضر الصانع العين على الصفة المشروطة، هنا يبدأ الخلاف: فظاهر الرواية عن الإمام والصاحبين معه أن الصانع يسقط خياره ويبقى للمستصنع الخيار، حتى بعد أن يحضره وهو مطابق للمواصفات، الصانع يسقط خياره، وللمستصنع الخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك، هذا ظاهر الرواية عن الإمام والصاحبين وروي عن الإمام: أن لكل واحد منهما الخيار، وروي عن أبي يوسف: أنه لا خيار لهما جميعا، وهذه نقطة هامة جدًّا، فظاهر الرواية أن المستصنع له الخيار حتى بعد المجيء بالمصنوع وعلى المواصفات الموجودة، مثل الإمام والصاحبين، ولكن هناك رواية عن أبي يوسف أنه لا خيار لهما جميعا، وروي عن الإمام أن لكل واحد منهما الخيار، والأول هو الأصح كما قال ابن عابدين، هو ظاهر الرواية، أي أن المستصنع له الخيار، ونلاحظ أن أدلة الحنفية هنا - الذين قالوا بأن له الخيار أو ليس له الخيار - تنبني أساسا على القول بمنع الضرر. استدل بهذا من قال بالخيار ومن قال بالإلزام.