إن البيع إذا تم فيه التقابض في المجلس فلا غرر فيه على الإطلاق، وهو من أبعد البيوع عن الغرر وشبهته، قال الإمام الشافعي في " الأم ": الأعجل أخرجُ من معنى الغرر وإذا تم فيه قبض أحد البدلين فقد حضره الغرر لأن أحدهم – ولنفرضه المشتري، أحد المتعاقدين، هب أنه المشتري هنا – يقبض المبيع، ويؤجل تسديد الثمن إلى أجل معين أو إلى آجال متعددة على نجوم " أقساط " وقد يحدث تغير في الثمن بيع السلعة خلال مدة الدين، فإن زاد الثمن تضايق البائع، وإن نقص الثمن تضايق المشتري، وهذا يحدث أيضًا في بيع السلم، أما لو تعاقدا على تقابض مؤجل فكذلك قد يقع تغير في الأسعار، فيكون له نفس الأثر على كل منهما، أنا أريد أن أبين أن في تأجيل أحد البدلين غررًا، لكن الفارق بين البيع المؤجل – البدل الواحد – البيع الذي يتأجل فيه بدل واحد، والبيع الذي يتأجل فيه البدلان معًا أن أحدهما في البيع الأول – أي أحد المتعاقدين في البيع الأول – يكون قد تمتع بالبدل المعجل، تمتع البائع بالثمن في بيع السلم، وتمتع المشتري بالمبيع في بيعه النسيئة، وهذا التعجيل له أثر على ثمن التعاقد، لكن الغرر على كل حال لا يختلف بين البيع الأول والبيع الثاني ويستويان معًا – أي المتعاقدان – في تحمل المخاطرة كما يتحملها الشركاء في الشركة، فإن بقيت الأسعار ثابتة فلا مشكلة في الواقع، وإن هبطت تأثر المشتري، وإن ارتفعت تأثر البائع لأنه يكون قد باع بثمن رخيص، وعلى هذا فلا فرق في الغرر بين بدل واحد يتأجل أو بدلين يتأجلان – كما يذكر بعض الباحثين – ولا سيما إذا كان للتعجيل والتأجيل أثر في تحديد ثمن البيع، فأين الغرر المتعاظم الذي ادعاه بعض الفقهاء إذا تأجل البدلان؟ لعلهم نظروا إلى بدل وبدلين مع أن النظر يجب أن يكون للمتعاقدين لا للبدلين، والمتعاقدان هما أنفسهما لم يتغيرا في كلا البيعين، وهذا البيع المؤجل الذي يتأجل فيه البدلان قد تدعو الحاجة إليه كما تدعو الحاجة للسلم وكما تدعو الحاجة إلى بيع النسيئة، فقد يرغب أحدهم في التعاقد على سلعة أو خدمة يتسلمها في أجل معين لحاجته إليها في هذا الأجل، ولا يريد المشتري تعجيل الثمن كله للبائع كما في السلم، لأنه قد لا يملك الثمن كله الآن، أو يرغب في أن يبادل البائع قسطًا بقسط أي قسطًا من المبيع بقسط من الثمن، وقد لا يكون البائع محتاجًا إلى المال من المشتري بالذات وهذا كعقد الاستصناع وعقود التوريد والمقاولة أما باقي الأمور فهي معروفة لديكم. وشكرًا.