الحقيقة أن المفروض في بحوث بيع الاستصناع كما فهمت أنا من طرح إدارة المجمع، وكما يفترض أن يفهمهما الإخوة الباحثون، هو أن لا نعيد ما سبق معرفته – يعني – في الكتب الفقهية أو في مظانها من الكتب الفقهية، أو في الكتب المفردة لهذا الموضوع، إنما المقصود هو أن نطرح الأشياء الجديدة، وأنا في الحقيقة عندي اقتراح محدد، أرجو أن أطرحه على مسامعكم، وأن يكون موضع نقاش عطفًا على ما كنت ذكرته في السابق، في مداخلة سابقة.
الموضوع على وجه التحديد: أننا نحن نعلم من خلال الشريعة الإسلامية أن تأجيل أحد البدلين في البيوع جائز بلا خلاف، ولكن السؤال المطروح هنا والذي قد نحتاج إليه فيما يسمى بعقود التوريد التي عمت بها البلوى في عالمنا المعاصر، السؤال هو: هل يجوز تأجيل البدلين معًا في البيع؟ أنا أتساءل هنا: لماذا لا يجوز تأجيل البدلين في البيع إلى أجل واحد مثلًا؟ لا يقال إن في هذا ربا نساء لأن تبادل الثمن والمبيع لا يفصل بينهما أي زمن، وينطبق عليه أنه تم يدًا بيد من حيث التقابض، وإن لم يقع هذا التقابض عقب العقد مباشرة، ثم إن هذا البيع ليس فيه في الواقع ربا نساء ولا ربا فضل، لأنه ذهبٌ بقمحٍ، أو فضة بتمر، وبذلك يمكن أن نتساءل: لماذا لا يجوز تأجيل البدلين إلى أجلين مختلفين أيضًا؟ فإن كان أجل الثمن أبعد كان البيع نسيئة، وإن كان أجل المبيع أبعد كان سلمًا، قد يقال هنا إن في هذه الصورة غررًا من حيث تأجيل البدلين، وقد قال بذلك بعض من كتب في هذا الموضوع منهم أخي وجاري الدكتور نزيه – وهو غائب الآن – في بحثه الذي كان قد نشره له المركز بعنوان " بيع الكالئ بالكالئ " قد يقال إذن إن فيه غررًا من حيث تأجيل البدلين، ولكن هذا في نظري – والله أعلم – غير صحيح وهاكم البيان.