بكل اختصار يبدو أن عقد الاستصناع هذا يختلف عن العقود الأخرى التي نسب إليها من خلال عدم تمتعه بخصائص هذه العقود، فلا هو سلم خصوصًا عند عدم تعيين الأجل وعند تأخير الثمن، ولا هو إجارة لأنه فيه عمل ومواد، وعلى أي حال هو عقد يختلف عنها، المهم عندي أن نعرف دليل مشروعية هذا العقد، هذا هو المهم عندي وإن كانت أقوال الفقهاء كلهم – رحمة الله عليهم – تفسح الطريق أمام معرفة الدليل لأي موضوع – دليل الحكم -.
أهم ما يذكر من أدلة لهذا العقد هو ما أسماه السادة الحنفية بالإجماع العملي، وما نسميه نحن في اصطلاحاتنا الحوزوية عندنا بسيرة المتشرعة أو عرف المتشرعة، هذا العرف – وليس العرف مصدر الأحكام – إنما يكشف عن السنة من باب التقرير أو الإقرار إذا توفر فيه شرطان:
الشرط الأول: هو أن يمتد إلى عصر الرسول عليه الصلاة والسلام امتدادًا قطعيًّا بحيث نقطع بأنه كان سائدًا في ذلك العصر.
الشرط الثاني: ألا يصدر نهي خاص به أو عام ينفيه.
فمع وجود هذا العرف ومع عدم صدور النهي منه عليه الصلاة والسلام نستفيد التقرير والإقرار لمثل هذا العقد المشروع، هذا العقد أو هذان الشرطان أعتقد أنهما متوفران، فامتداد هذه السيرة أو هذا العرف يكاد يكون واضحًا إلى ذلك العصر بل إلى عصور قبله، والأمر الثاني صدور النهي لم يثبت على الأقل، يعني لم يصدر نهي خاص عنه بالخصوص، وما يتصور من وجود نهي عام هو " لا تبع ما ليس عندك " إذا سددنا كل جوانب الاستدلال بهذا " لا تبع ما ليس عندك " أو النهي عن بيع المعدوم، فيه احتمالات ذكرتها في هذا الصباح، منها أنه نهي عن بيع عين شخصية مملوكة لآخر، أو نهي عن بيع شيء لا يضمن تسليمه وما إلى ذلك. لا نستطيع أن نعتبر هذا نهيًا عامًّا عن هذه السيرة وحينئذ فالسيرة ممتدة ولا نهي عنها وحينئذ نعتبر العقد مشروعًا، بل حتى لو لم تكن هذه السيرة فإن هذا العقد عقد عرفي، وهو مشمول لقاعدة " أوفوا بالعقود " وحينئذ فالذي أعتقده أننا لو سلكنا هذا الطريق – طبعًا الاستحسان مع وجود مثل هذا الدليل لا معنى له – لو سلكنا هذا الطريق فإن العقد يصبح مشروعًا، وبطبيعة الحال فإن المتعارف هو العقد اللازم هو اللزوم في هذه العقود، المتعارف ذلك، وهذا العرف - كما قلت - يمتد إلَّا أن ينكر أحد ذلك وله الحق إذا رأى ذلك، الذي أراه أنه يمتد ويمتد كعقد لازم، فما ذكرته المجلة يبدو هو المنسجم مع هذا الاستدلال، وأشير إلى ما أشار إليه الأخ الأستاذ الدكتور سامي: الاستصناع الموازي بتقبيله للآخرين، هذا أمر أرى فيه إشكالًا بعد أن ورد نهي عن تقبيل الإجارة بإجارة أقل منها، وتقبيل المضاربة بمضاربة أقل منها، وحينئذ لي فيه إشكال.
أما ما ذكره الدكتور سامي من أنه هناك عقود لتوريد البترول، فلا أعتقد أن مسألة البترول – وهو أمر يورد ولا يتم عليه عمل – لا أعتقد أنه مشمول لهذا العقد إلا أن نتوسع في هذا العرف فنقول: العرف الممتد يشمل حتى مجالات عدم التصنيع، تهيئة المواد التجارية من أماكن بعيدة. إذا توسعنا فحينئذ يمكننا أن نقول ونصحح عقد التوريد وعقد مسألة البترول وأمثال ذلك. وشكرًا.