أشكر الإخوة العلماء، الذين قدموا بحوثا ضافية مما يدل على علمهم الغزير، وأنا أؤيد ما قاله الشيخ المختار من أننا في عصر يجب أن يكون هناك اجتهاد جديد في العقود التي نحتاج إليها في هذا العصر، وشيخ الإسلام ابن تيمية سبق أن ضاق ذرعا بتعقيدات الفقهاء، وهم - رضوان الله عليهم - اجتهدوا على حسب بيئاتهم وعلى حسب ظروفهم، شيخ الإسلام قال: هذه التعقيدات التي تشترط في البيع لا أصل لها من كتاب ولا سنة ولا أثر عن الصحابة ولا قياس ولا عليها عمل المسلمين قديما ولا حديثا ولا مصلحة فيها ولهذا من عامل الناس بما استثقلوه ونفروا منه فاعلم أنه من المنكر لا من المعروف، مثل اشتراط الصيغ في العقود، وتسمية مقدار الثمن وغير ذلك، واشتراط رؤية المبيع ووجوده، بل إذا وصف به المقصود كفى، وقال تلميذه ابن القيم في عقد الاستصناع: الذين حرموه بعضهم استندوا إلى أنه من بيع المعدوم، يقول ابن القيم: ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بلفظ عام ولا خاص ولا في كلام أحد الصحابة أن بيع المعدوم لا يجوز، وإنما في السنة النهي عن بعض الأشياء التي هي معدومة كما فيها النهي عن بعض الأشياء الموجودة. فليست العلة في المنع العدم ولا الوجود بل الذي ورد في السنة النهي عن بيع الغرر، وهو الذي لا يقدر على تسليمه سواء كان موجودا أو معدومًا. مما يرتبط بذلك: في الصباح سمعت في بعض الأحاديث أنه لا يجوز دفع الأجرة مقابل الكفالة، وقال الشيخ - حفظه الله - في بحثه: إن الدليل على ذلك أنه عقد التبرعات لا يجوز فيها الأجر، ومثله وقاسه على القرض، ورد على القائلين بأن الناس في حاجة إلى ذلك في هذا العصر، بأن هذا دليل غير صحيح، والواقع أن الدليل يجب أن يورده هو، لا اللذين يقولون بأنه يجوز في هذا العصر الذي تغيرت فيه الظروف وتغيرت فيه الأحوال أن نجعل للكفالة أجرا، نحن نرى الناس - مثلا - يتورطون في حوادث، ولا يجدون من يكفل عنهم إلَّا بأجر، وهذا شيء معروف، فإذا ذهبت إلى أي بلد أنت لا تستطيع أن تلزم الناس أن يتبرعوا، وأن تكون عندهم الشهامة والمروءة كما كانت سابقا، لا بد أن تتغير الأحوال، ولا بد أن نتمشى مع تغير الأحوال، ونتقيد بما في الكتاب والسنة ولا نتقيد بأقوال فقيه، وسمعت أيضا في الصباح البحث عن موضوع (ضع وتعجل) ، وأنا أناشد الإخوة ألَّا يتعجلوا في التحريم، لأن هناك في هذا الموضوع جوانب إنسانية، أحيانا نلمسها نحن في القضاء، فإذا تورط الرجل في ديون كثيرة، إذا كانت حالة فما هناك مشكلة، ولكن هناك ديون، بيت بناه ليسكنه وله أسرة ويأتي من يريد أن يساعد هذا الرجل المتورط الذي ارتكبته الديون، يريد أن يساعده أو جهة تريد أن تساعده بمبلغ، وتتصل بالدائنين تقول لهم: ضعوا من هذا المال ونعجل لكم بعض مالكم في مقابل التنازل، فهذه الأمور يجب أن نبحثها على روية وأن نتقيد بالكتاب والسنة، وأن نجعل هناك حدودا للجوانب الإنسانية والجوانب التي فيها الربا، مثلا لا ندع أن يستغلها المرابون في البنوك الربوية، أهل البنوك الربوية لا يسألون عن تحليل أو تحريم، ولكن نرشد المسلمين الذين هم أهل التقى وليس المسلمون كلهم سواء، لكن هناك من سيتقيد بقراراتكم هذه، نرشدهم ونعرفهم ما يجب عليهم في الأمور الإنسانية، وما يحرم عليهم في الأمور غير الإنسانية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.