أي أن المالكية يؤمون رعي الاستصلاح بالاستحسان ويرون كذلك تخصيص العام بالعرف. إذن هذا هو موقع الاستحسان كان يجب أن ننظر إليه، معنى ذلك أن المالكية في بيع دائم العمل رأوا أن هذه المسألة مخصصة من العموم من أجل العرف والعمل الذي جرى بذلك وسموه ببيعة أهل المدينة – أهل المدينة كانوا يبيعون هذا البيع – ثم إنهم راعوا المصلحة العامة بمقابل عمومه، وهذا أيضا مما يخصص به العام، هذا مهم جدًّا في التعامل مع النصوص، مع بقاء الأصل وهو منع الدين بالدين. ولهذا لا أوافق من يقول: إن قاعدة " بيع الكالئ بالكالئ " أن نتجاوز هذا وأن نقول يجوز أن يؤجل الثمن والمثمن وأن نجعله مبدأ عاما، هذا لا يمكن أبدًا، المبدأ العام هو المنع، ولكن في قضية معينة ولوجود الحاجة والمصلحة ولوجود العرف يمكن أن نخصص هذه القضية المعينة وهذا مهم جدًّا لأن إلغاء هذه المبادئ لا يمكن، ولكن يمكن التعامل معها من هذه الزاوية.
النقطة الثالثة هي الوعد: بعضهم قال إنه من باب الوعد الملزم. يجب أن ننتهي من مسألة الوعد الملزم، هذه المسألة لا أصل لها، وفي المذهب الذي أرادوا الاعتماد عليه في الوعد الملزم في المعاوضات لا يوحد فيه وعد ملزم في المعاوضات أصلًا، إذا كان ملزما فإنه عقد، العقد هو الملزم في المعاوضات وليس الوعد. يجب أن ينتهي المجلس من هذه القضية التي نشأت بسبب جهلهم في الحقيقة، وبسبب عدم فهمهم للمذهب المالكي في هذه المسألة. الوعد الملزم في المذهب المالكي يتعلق بالتبرعات ولا يتعلق بالمعاوضات، إذن إذا كان ملزمًا فلا داعي لتسميته وعدًا فهو عقد ملزم، وإذا لم يكن ملزما فإنه ليس ملزما ولا داعي أيضًا لذكر وعد.
النقطة الرابعة: إذا افترضنا أن عقد الاستصناع ليس لازمًا فيمكن أن نعتبر المالكية كالحنفية، هو عندهم عقد جائز غير لازم، وهي عقود كثيرة منها عقد الإجارة إذا حددت أجرة لكل يوم أو لكل شهر دون تحديد فترة الإجارة، وهو عقد جائز غير لازم، ومنها بيع الفضولي يبيع شخص ملك غيره فهو عقد جائز غير لازم، ومنها بيع ما لا يملك، فإن مالكا يقول: أكرهه وإذا وقع فإنه يمضيه ابتداء. فهو من هذه الزاوية معروف ومقبول عند المالكية إذا قلنا بعدم اللزوم عند الأحناف.