للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر لي – والله أعلم – أن الخلاف الجوهري بين من يجيز الاستصناع ومن لا يجيز الاستصناع في نقطتين اثنتين:

النقطة الأولى: في دفع الثمن في مجلس العقد، فإن دفع الثمن في مجلس العقد جاز هذا فيما يظهر لي من نصوص العلماء أنه يجوز باتفاق إذا توفرت شروط الصحة في العقد من نفي الجهالة، لكن إذا لم يدفع الثمن في مجلس العقد فما تكييفه؟ هذا هو الذي ينبغي أن ينصب عليه النقاش حتى نخرج بفائدة في هذا الموضوع الشائك.

النقطة الثانية: الذي يظهر لي أنه سبب خلاف بين العلماء قيما وحديثا حينما يقولون: لا يجوز استصناع شيء أو يجوز استصناع شيء هو إمكانية انضباط صفات الشيء، فمن المعلوم أن هناك قاعدة فقهية تقول: " كل ما أمكن ضبطه صح السلم فيه وما لا فلا "، والأمثلة التي يذكرونها يقولون لا يصح استصناع – مثلا – القماقم أو السطول أو الحديد تعلل بأنه لا يمكن انضباطها ولذلك تكون الجهالة فيها وإذا كانت الجهالة فيها لا يصح عقد الاستصناع فيها، لكن الوضع الآن تغير تغيرًا تاما بالنسبة لانضباط الأشياء المستصنعة وأصبح الإنسان يصنع مائة طائرة لا تختلف واحدة عن الأخرى (ملم) واحدًا ناهيك عن السطول أو القماقم أو غيرها من الأشياء المستصنعة التي ذكر الفقهاء قديما أنها لا يصح الاستصناع فيها لجهالتها.

فأنا أقترح أن ينصب النقاش في هذا المجلس على هاتين النقطتين. أولا ما دام أن المعقود عليه الذي هو المستصنع متعلق بالذمة، فالثمن هل يلزم دفعه في مجلس العقد أم أنه يجوز أن يكون متعلقا بالذمة أيضا؟ وهذا الموضوع ناقشته في بحثي وبينت جوانب كثيرة واستدللت بأدلة كثيرة منها القديم ومنها التخريجات الحديثة ومنها استصناع النبي صلى الله عليه وسلم للخاتم، فالنبي صلى الله عليه وسلم استصنع الخاتم كما ثبت في صحيح البخاري ومسلم، واستصنع المنبر كما ثبت في صحيح البخاري، فهل في استصناعه صلى الله عليه وسلم ثبت أنه دفع الثمن في مجلس العقد حتى نطبق عليه شروط السلم أم لم يثبت أنه دفع الثمن في مجلس العقد؟ قد يقول قائل آخر أنه قد يكون النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمادة الذهب من عنده أو بمادة المنبر من عنده من الخشب، لكن هذا يبقى احتمالا لم يثبت بالأدلة الصحيحة أنه أتى بذلك من عنده، فالأدلة محتملة وحاجة الناس الآن تدعو إلى الاستصناع وإلى المحافظة على أموالهم من الشركات الوهمية المعروفة والمزورة التي تنتشر في جميع أنحاء العالم، فلو دفع الثمن في مجلس العقد لسبب ذلك حرجا ومشقة على المستصنع من خوفه على ماله، أو من عمل الصانع للمصنوع على غير المواصفات، ثم بعد ذلك يخضع إلى المرافعات الشرعية والمحاكمات التي تقتضي وقتا طويلا وضياعا وحرجا ومشقة عظيمة، كل هذه الأشياء ذكرتها في بحثي فأرجو أن ينصب النقاش على هاتين النقطتين إن رأيتم، وشكرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>