الصورة الأولى: أن تكون مادة المستصنع في ملك الصانع حين العقد، مثلا لو استصنع رجل عمارة فإن كانت مواد البناء من الحديد والأسمنت والطوب وغيرها من المواد موجودة في ملك الصانع حين العقد فهذه صورة من صور الاستصناع، ينبغي علينا أن نركز عليها، لكنها ليست الصورة التي تم العقد عليها لأن العقد يتم على الهيئة بعد عملها، على المادة بعد عملها بعمل العامل أو بعمل الصانع.
الصورة الثانية المهمة، وهي أكثر تعاملات الناس عليها الآن، أن مادة المستصنع ليست موجودة في ملك الصانع حين العقد، فيتعاقد معه على بناء عمارة من عشرة أدوار أو اثني عشر دورًا، لم يكن في ملك الصانع أو المقاول حين المقاولة لا أسمنت ولا حديد ولا طوب ولكنه يأتي بها بعد ذلك من السوق بعد أن يصرف إليه جزء من الثمن، وكذلك في استصناع المعدات الكبيرة أو الصغيرة من طائرات أو سفن فضائية أو سفن بحرية أو غيرها من المواد التي تستصنع. في الغالب أن المواد لا تكون في ملك الصانع حين العقد. إذن هي متعلقة بذمته.
على كل حال: الحنفية هم أقرب المذاهب إلى هذا لكن مذهبهم لا يحل مشكلة الاستصناع التي وصفها موجود في السوق الآن وعليه تعامل الناس، لماذا لا يحله؟ لأنهم – الحنفية – قالوا: إن المستصنع أو مادة الاستصناع عقد على عين بعضهم قال: عين، عندما عرفها قال بأنها عقد على موصوف في الذمة أو مبيع في الذمة، لكن عندما كيفها قال هي عين، والعين تختلف عن المتعلق بالذمة، هذا من ناحية.
الناحية الثانية من ناحية الشروط: الحنفية ذكروا أنه إذا دخل الشرط في الاستصناع شرط يبلغ شرط السلم وهو نصف شهر أو شهر على خلاف فيما بينهم، قالوا: إنه يعتبر سلما وتشترط له شروط السلم من دفع رأس المال في مجلس العقد. وعلى هذا لا يحل مذهب الحنفية مشكلة الاستصناع إلا بإدخال تعديلات عليه في تكييفه وأنه ليس بعين ثم في شروطه.
الأمر الثالث الذي جعل مذهب الحنفية لا يحل مشكلة الاستصناع هو أنهم قالوا: إن الاستصناع لا يجوز إلا فيما جرى به العرف، ولذلك قالوا إنه لا يجوز الاستصناع بأي حال من الأحوال في الثياب، ومعلوم الآن أن الثياب تستصنع بقدر كبير والتعامل عليها كثير بين أيدي الناس استصناعا مستقبليًّا.