بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد.
عقد الاستصناع عقد جدير بالبحث والمناقشة والتريث في إصدار حكم فيه، وذلك لأنه وقع فيه خلاف قديمًا وحديثًا، فجمهور الفقهاء – كما تعرفون – يجعلونه جزءًا من أجزاء عقد السلم، أي هو عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد.
ومن ناحية اللغة هو طلب الصنعة عند اللغويين، الذين يجعلونه عقدًا مستقلًّا هم الحنفية باستثناء زفر، لنرى تعريفات الحنفية هل يخرجه عن كونه عقدًا على موصوف في الذمة أم أنه يدخله فيه؟ فالحنفية يقولون: إنه عقد على مبيع في الذمة، عند بعضهم كما نقل الكاساني في بدائع الصنائع، ونقل عن بعضهم قوله: عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل، وعرفته مجلة الأحكام العدلية بأنه: عقد مقاولة مع أهل الصنعة على أن يعمل شيئًا، وعرفه من المعاصرين الدكتور الشيخ أحمد فهمي أبو سنة ونقله عنه الدكتور عبد العزيز الخياط بقوله: أن يطلب من الصانع عمل شيء مادته من عنده على وجه خاص.
فإذن هذا تعريف الحنفية: لننظر فيه هل يخرجه عن كونه عقدا على موصوف في الذمة وإلا يدخل فيه؟
ثانيا: من الأمور التي ينبغي التنبيه عليها هو التمييز بين العقود التي لها شبه بالاستصناع وعقد الاستصناع فمن المداخلات التي سمعتها منذ ابتداء الجلسة أنه أحيانا يشتبه مع عقود الإجارة؛ وأحيانا يشتبه مع عقود بيع العين، وأحيانا تكون العين موجودة إلا أنها على غير الصفة التي طلبها المستصنع، والعقد يكون على الصفة "الهيئة" بعد أن تستصنع، ثم أحيانا أخرى، صورة رابعة، وهي عقد على شيء مادته غير موجودة في ملك الصانع حين العقد وإنما يملكها فيما بعد وعلى هذا فعقد الإجارة الذي يأتي المستصنع بالمادة من عنده ويعطيها للصانع لا يدخل في موضوع الاستصناع، كما أن العين إذا كانت مصنوعة قبل العقد وموجودة في ملك البائع ليس من عقد الاستصناع، بل هذا من بيوع الأعيان إما المرئية أو الموصوفة في الذمة، والبيع إذا توفر شرطه بالرؤية أو بالوصف الذي يخرجه عن الجهالة فهو صحيح. يبقى عندنا صورتان اثنتان ينبغي أن نركز البحث عليهما.