(أ) إن العلاقة بين عقد بيع الوفاء وبين عقد الرهن وثيقة جدًّا إلى درجة أن بيع الوفاء في أول ظهوره وتعامل الناس به في القرن الخامس الهجري في مدينة بلخ كان يسميه بعض الناس رهنًا، وكان فقهاء العصر بعضهم يعتبره رهنًا من كل وجه ويطبق فيه أحكام الرهن كاملة، وبعضهم يعتبره بيعًا فاسدًا بسبب اشتراط شرط مفسد فيه هو أن البائع متى أعاد الثمن إلى المشتري فإن المشتري يلتزم بإعادة المبيع إليه.
والواقع أن هذا الشرط هو عماد الخيمة في بيع الوفاء، فلولا هذا الشرط لكان العقد بيعًا من كل وجه، وبهذا الشرط أصبح يشبه الرهن شبهًا قويًّا إلى درجة أن الناس يسمونه رهنًا، فهذا الشرط هو أساس التمييز بينه وبين البيع المطلق الصحيح، وأساس الشبه بينه وبين الرهن، وأساس استقرار رأي فقهاء الحنفية في نهاية المطاف بعد فترة من الاختلاف على أنه عقد جديد، ليس بيعًا صحيحًا من كل وجه، ولا بيعًا فاسدًا من كل وجه، ولا رهنًا من كل وجه، ولكنه عقد فيه شبه بالبيع المطلق الصحيح، وشبه بالبيع الفاسد، وشبه بالرهن، فقرروا إعطاءه حكمًا مركبًا من بعض أحكام كل واحد من هذه العقود الثلاثة:
- فأعطى من أحكام البيع المطلق الصحيح أن للمشتري حق الانتفاع به واستغلاله دون حاجة إلى إذن البائع بل حكمًا بمقتضى العقد.
- وأعطى من أحكام البيع الفاسد أن لكل من الطرفين أن يفسخه متى شاء ويطلب استرداد ما قد أعطى، ولو قبل الأجل لو كانا اتفقا فيه على أجل للتراد.
- وأعطى من أحكام الرهن أنه لا يجوز للمشتري بيعه لأن شرط رده على البائع متى أعاد له الثمن الذي أخذه منه يقطع إمكان تنفيذه إذا كان للمشتري حق التصرف فيه بإخراجه عن ملكه. (١) .
- وأعطى من الرهن أيضًا جملة أحكام أساسية سيأتي بيانها.
(١) نص فقهاء الحنفية والمادة ٣٩٧ من المجلة على أنه ليس لأحد من الطرفين في بيع الوفاء بيع المبيع من شخص آخر، ولم أر من تعرض لرهنه. ويبدو لي أنه يمتنع رهنه أيضًا لدى ثالث، لأن الرهن ينشىء حق حبس عين المرهون، فيؤدي أيضًا إلى امتناع الاسترداد ولا سيما إذا أفلس المشتري بعد رهنه إياه. ثم وجدت النص على أن المشتري وفاء لا يجوز له بيع المبيع ولا رهنه في رد المحتار: ٤/٢٤٧، طبعة بولاق.