وهذا الرأي الذي انتهى إليه فقهاء الحنفية (بعد فترة اختلاف في تكييف هذا العقد) هو الذي سمي بالقول الجامع واستقرت عليه الفتوى في المذهب. [ر: كتابي: الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد: ج ٤، عقد البيع فقرة ١٥١، ورد المحتار: ج ٤ في أواخر البيوع] .
وبه أخذت مجلة الأحكام العدلية التي صدرت بالإرادة السلطانية السنية، وأصبحت قانونًا مدنيًّا شرعيًّا عامًّا في الدولة العثمانية، ثم في البلاد العربية التي انفصلت عنها نتيجة للحرب العالمية الأولى إلى أن وضع فيها قوانين مدنية حديثة (في سوريا ولبنان والأردن والعراق) ، [ر: المجلة م ١١٨ وشروحها] .
مما تقدم تبين أن العلاقة بين بيع الوفاء والرهن هي أقوى العلاقات الثلاث التي بين بيع الوفاء وبين البيع الصحيح والبيع الفاسد والرهن. ويليها في القوة علاقته بالبيع الصحيح من حيث إنه قد استعير منه لبيع الوفاء ملكية المشتري لمنافع المبيع وفاء، وهذه أيضًا ناحية أساسية في تركيبة بيع الوفاء، إذ لولاها لما أقدم أحد على شراء شيء بطريق الوفاء. إذ يكون الثمن عندئذ كقرض حسن من المشتري للبائع لقضاء حاجته، والمبيع في هذه الحالة مجرد رهن في مقابل القرض، فما وجه تسميته بيعًا أو شراء بالوفاء؟ بل هو حينئذ قرض مقابل رهن من كل وجه.
فالذي نقل الموضوع في نظرهم من بابي القرض والرهن، إلى باب البيع بشرط التراد إنما هو قصد امتلاك المشتري لمنافع المبيع في الفترة ما بين العقد والاسترداد. وهذه الفترة لا حدود لها فقد تكون أيامًا أو شهورًا أو سنين.
ولم يشترطوا لصحة العقد تحديدها، كما لم يشترطوا لصحة القرض مقابل رهن تحديد مدة للوفاء بالقرض. ولذا جعلوا لكل من الطرفين في بيع الوفاء حق فسخ العقد في أي وقت يشاء، ويسترد حينئذ كل منهما ما يخصه: فيسترد المشتري الثمن الذي دفعه، ويسترد البائع المبيع. وهذا هو الحكم الذي استعير له من أحكام البيع الفاسد.