للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* حكم الغلة في بيع الثنيا:

اختلف في الغلة في هذا البيع:

هل هي للمشتري أو للبائع: قال الرجراجي: اختلف في بيع الثنيا هل هو بيع أو رهن على قولين: وفائدة الخلاف في الغلة.

فمن رأى أنه بيع قال: لا يرد الغلة (١) .

وقد قال مالك في العتبية: إن الغلة فيه للمشتري بالضمان فجعله بيعًا وإنه ضامن والغلة له.

- ومن رأى أنه رهن قال: يرد الغلة، وأنه في ضمان البائع في كل بيع ونقض يطرأ عليه من غير سبب المشتري، وما كان من سبب المشتري فهو ضامن له، وحكمه حكم الرهان في سائر أحكامها فيما يغاب عليه، والراجح أنها للمشتري كما نقله ابن رشد في المسألة العاشرة من سماع الشهب من جامع البيوع ومن سماع أصبغ.

وعقب الحطاب على تلك النقول بقوله:

وهذا كله والله أعلم فيما إذا قبض المشتري المبيع واستغله.

- أما ما يقع في عصرنا (القرن العاشر) وهو مما عمت به البلوى من أن الشخص يشتري البيت مثلًا بألف دينار، ثم يؤجره بمائة دينار لبائعه قبل أن يقبضه المشتري وقبل أن يخيله البائع من أمتعته بل يستمر البائع على سكناه إياه، إن كان على سكناه أو على وضع يده عليه وإجازته ويأخذ المشتري منه كل سنة أجرة مسماة يتفقان عليها - فهذا لا يجوز بلا خلاف (٢) .

وجه هذا القول:

لعدم انتقال الضمان إليه، والخراج بالضمان، وهنا لم ينتقل الضمان لبقاء المبيع تحت يد بائعه، فلا يحكم له بالغلة.

بل ولو قبض المشتري المبيع ثم أجره للبائع على الوجه المتقدم لم يجز.

وجه هذا القول:

لأن ما خرج من اليد وعاد إليها لغو كما هو مقرر في بيوع الآجال وآل الحال إلى صريح الربا، وهذا واضح لمن تدبره وأنصف والله أعلم.

وبالجملة: فإن ثمرة الخلاف بين قولين - أي في كونه رهنًا - أو بيعًا تظهر في الغلة.

فمن قال: أنه بيع قال: لا يرد الغلة، وتكون للمشتري بالضمان.

ومن قال: أنه رهن قال: يرد الغلة، وأنه في ضمان البائع، وحكمه حكم الرهان في سائر أحكامها.

وهذا الخلاف عندهم فيما إذا لم يظهر بالبينة أو بالإقرار أنهما قصدا الرهن.

أما إذا ظهر ذلك فإنه يكون رهنًا باطلًا بالاتفاق لأنه حينئذ يكون سلفًا بمنفعة (٣) .

* * *


(١) الحطاب، مواهب الجليل: ٤/٢٧٢.
(٢) الحطاب على خليل: ٤/٢٧٤؛ وكذا في البزازية على الهندية: ٤/٤٠٥، وقال: كما لو استأجر الراهن الرهن.
(٣) المدونة في مذهب الإمام مالك، وبداية المجتهد، لابن رشد، ومنح الجليل: ٢/٥٦٩؛ والحطاب: ٤/٢٧٢ - ٢٧٤؛ وفتاوى عليش: ١/٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>