للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدلة القول الثاني

استدل أصحاب القول الثاني على حل الانتفاع بالركوب والحلب خاصة بقدر النفقة مع تحري العدل في الانتفاع بقدر النفقة مطلقًا - بالسنة والقياس:

أما السنة: فما رواه البخاري وأبو داود والترمذي: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة)) .

ووجه الدلالة من هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل منفعة المرهون في مقابل نفقته، ولم يقيد ذلك بإذن الراهن ولا بامتناعه عن الإنفاق، كما لم يقيد الانتفاع بكونه بمقدار النفقة، ولكن ورد ما يقيد إطلاقه في هذه الناحية، وهو ما رواه حماد بن سلمة في جامعه بلفظ: (إذا ارتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر علفها، فإن استفضل من اللبن شيء بعد ثمن العلف فهو ربا) (١) .

ورد هذا الدليل بأربعة أوجه:

الوجه الأول: أن هذا الحديث مجمل حيث لم يبين فيه من المنتفع، أهو الراهن أم المرتهن، وهو مع هذا الإجمال لا يصح به الاستدلال.

ودفع الوجه الأول: بأن هذا الحديث لا إجمال فيه، فإنه جعل الانتفاع عوضًا عن النفقة، وهذا إنما يصح في حق المرتهن، ولا يصح في حق الراهن لأن الراهن إنما ينفق على المرهون وينتفع به بحق الملك لا بطريق المعاوضة وعلى تسليم أنه مجمل في حد ذاته، فقد جاء في بعض رواياته ما يبين هذا الإجمال وهو: ((إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها، ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب النفقة)) ، فهذه الرواية صريحة في أن المنفق هو المرتهن، فيكون هو المنتفع.

الوجه الثاني: أن هذا الحديث كان قبل تحريم الربا، ثم نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل قرض جر نفعًا فهو ربا)) (٢) .

ودفع الوجه الثاني: بأن النسخ لا يثبت بمجرد ادعائه، بل هو متوقف على القطع بتقدم المنسوخ وتأخر الناسخ، وعدم إمكان الجمع بينهما، والتاريخ مجهول، فلا تصح دعوى النسخ.

الوجه الثالث: أن هذا الحديث معارض لحديث ابن عمر عند البخاري وغيره، ولفظه: (لا تحلب ماشية امرىء بغير إذنه) وهو حاظر وإذا تعارض الحاظر والمبيح قدم الحاظر.

ودفع الوجه الثالث: بأن معارضة حديث ابن عمر لا تضر لأنها بين عام وخاص، فيحمل حديث ابن عمر العام على ما عدا ما دل عليه الخاص وهو حديث: ((الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا ... إلخ)) .

والجمع بين الدليلين أولى من إهدار أحدهما.


(١) مغني الحنابلة: ٤/٤٣٣.
(٢) المبسوط للسرخسي: ٢١/١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>