للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلى جانب هذا الدور الريادي الكبير الذي اضطلع به المرحوم الشيخ على النوري في مجالي التدريس والتأليف، نذكر عمله الجهادي المتمثل في تصديه لهجمات القراصنة النصارى على السواحل التونسية، وذوده عن حمى الوطن بما بذل من أموال وجهز من مراكب ورد من أعداء "فرسان مالطة"، وهو ما جلب له من حاسديه ضروبًا من الإحن والمحن (١) .

وقد سار على أثر هذا العالم الصالح والإمام المجاهد العلامة الفقيه والداعية الورع أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم الجمني النفزاوي الذي ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل المقداد بن الأسود. كانت ولادته ١٠٣٨هـ بجمنة الواقعة بالجنوب التونسي بين دوز وقبلي، وتوفي ١١٣٤هـ بجربة. درج في العلم والمعرفة، وذهب في صغره إلى القيروان وأخذ عن الوحيشي، ثم توجه هذا الإمام ١٠٦٦ إلى مصر. فدخل الأزهر وقرأ على الشيخ عبد الباقي الزرقاني والخرشي والشيخ سلطان والشبراخيتي وأبي الحسن اللقاني. وعندما استكمل العدة واستوفى الرواية عن هؤلاء الأئمة عاد إلى بلده عن طريق زواوة، وأخذ بها عن الشيخ عبد الله الجبالي والشيخ اليوسي، ومنها ذهب إلى زاوية الحمارنة بمارث قرب قابس، ودرس بها. ثم انتقل إلى جزيرة جربة فذاع صيته ونفق علمه بها، وأقبل عليه الطلاب من كل فج. وبنى له الأمير مراد باي بن حمودة المرادي بحومة السوق مدرسة سنة ١١١٥ تصدر بها للتدريس. وممن أخذ عنه ابن أخيه إبراهيم بن محمد وعلي الشاهد وعلي الفرجاني، وبه تفقه الشيخ محمد الغرياني. وكان همه الأول نشر العلوم الدينية ومقاومة الضلالات والبدع، فعنه تلقى أكثر من نصف سكان الجزيرة المذهب المالكي. أقرأ المختصر الخليلي وكتب عليه شرحًا.

ومما ترجم له به الرحالة الجزائري الشيخ حسن الورتلاني قوله: "وفضائل سيدي إبراهيم الجمني من زهده وورعه وتواضعه وتهجده ونصحه للطلبة وتحمله الأذى من خوارج جربة، وصبره وتصبره على إظهار السنة وإخماد البدعة وغير ذلك من أخلاقه السنية كثير لا يعد ولا يحصى. وقد انفعلت سيرته وأثرت همته في أصحابه الآخذين عنه". كان رحمه الله كلما ظهرت مخائل النجابة على أحد من طلابه أجازه وبعث به إلى أقاصي البلاد، حيث لا علم ولا إرشاد، ليكون داعية مربيًا عالمًا موجهًا. فكان بذلك ينور ظلمة الجاهلين ويرفع عن الناس حجاب الغافلين ويهدي العامة والخاصة سبيل المتقين الهداة المهديين (٢) .


(١) مخلوف: ١/٣٢١، ١٢٥٥؛ حسن حسني عبد الوهاب، كتاب العمر: ١/١، ١٧٩ - ١٨٤، ٢٤.
(٢) مخلوف، شجرة النور: ١/٣٢٤، ١٢٦٦؛ وحسن حسني عبد الوهاب، كتاب العمر: ١، ٢/٨٣٣ - ٨٣٥، ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>