للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيع بالثنيا وحكمه عند المالكية البيع بالثنيا أي بما استثنيته. وهو من البيوع الفاسدة لاشتماله على شرط مناقض للبيع. وهو عام عند ابن رشد في كل بياعات الشرط المنافية، وصورته المحددة كما في بيوع الآجال من المدونة: (ومن ابتاع سلعة على أن البائع متى رد الثمن فالسلعة له لم يجز ذلك لأنه بيع وسلف) . اهـ. وهما نوعان من التعامل مختلفان. قال سحنون: (بل سلف جر منفعة) . وقال أبو الحسن: (اختلف في هذا البيع المسمى بيع الثنيا إذا نزل، هل يتلاقى بالصحة كالبيع والسلف أم لا على قولين) ، يعني إذا أسقط الشرط: أحدهما أن البيع باطل وهو المشهور، والثاني أن البيع جائز إذا أسقط شرطه وهو قول مالك ... الحطاب. مواهب الجليل: ٤/٣٧٣؛ التاودي على التحفة: ١/٥٨؛ وقال الرجراجي في تحديد طبيعة هذا البيع: (اختلف في بيع الثنيا هل هو بيع أو رهن على قولين. وفائدة الخلاف في الغلة. فمن رأى أنه بيع قال: لا يرد الغلة) . وقال مالك في العتيبة: (إن الغلة فيه للمشتري بالضمان فجعله بيعًا وأنه ضامن والغلة له، ومن رأى أنه رهن قال: يرد الغلة وأنه في ضمان البائع في كل بيع ونقص يطرأ عليه من غير سبب المشتري، وما كان من سبب المشتري فهو ضامن له، وحكمه حكم الرهان في سائر أحكامها فيما يغاب عليه) . الحطاب: ٤/٣٧٣. وحكى عن القابسي: أن حكم هذا البيع قبل انقضاء أجل الثنيا حكم البيع الصحيح. فالغلة فيه للبائع لأنه بمنزلة الرهن، وهو بعد انقضاء الأجل بمنزلة البيوع الفاسدة فتكون الغلة فيه للمشتري. ونبه التسولي على ما اشتهر بين الناس مما دعوه بيعًا وإقالة واعتبروه رهنًا فيما تعارفوا عليه وتعاملوا به. فالحكم في الرهنية بالاتفاق رد الغلة وعدم الفوات. وإذا وقع البيع صحيحًا وطاع المشتري بالثنيا بعد ذلك جاز لأن التطوع بالإقالة بعد العقد جائز إلى غير غاية وإلى أي حد مؤجل، وأجازوها أيضًا إلى أجل قريب أو بعيد. ثم إنه في المطلقة متى أتاه بالثمن لزمه رد المبيع إليه، ويجوز للمشتري فيه التفويت بالبيع أو غيره؛ ويفوت به على البائع المقال إلا أن يفيته بالفور ... وأما في المقيدة فلا يجوز له تفويته فإن فوته رد على ما للموثقين. وقيده الباجي بما إذا لم يبعد أجلها كالعشرين سنة فيكون حكمها حكم المبهمة في فواتها على البائع وعدم ردها. وإذا جاءه البائع بالثمن في خلال الأجل أو عند انقضائه أو بعده على القرب منه بيوم ونحوه لا أكثر لزمه قبوله، ورد البيع على بائعه. ولا كلام له في أنه لا يقبض الثمن إلا بعد الأجل ... التسولي: ٢/٦٠ - ٦٣.

ومما تعورف في بلدنا ما يعبرون عنه بالبيع بالثنيا، وصورته أنهم يعقدونه بلفظ البيع خاليًا عن قرانه بشرط الرد فيه. ثم يتفقان على رد المشتري للبائع المبيع عند رده عليه الثمن (١) ، إما مطلقًا أو إلى أجل معين، كسنة على وجه الوعد، ويعبر عنه الموثقون بالتطوع بالثنيا أو الشرط الصريح في وجهي الإطلاق (٢) والتأجيل.

فالصور أربع: (الوعد بالرد مطلقًا) فإن وعد بالرد مطلقًا (٣) ، فإن كان الثمن ثمن المثل أو فيه

[٣٧٤] غبن يسير، فهو بيع بات ولا يلزمه الرد عند المجيء بالثمن، إذ هي مسألة الحاوي الزاهدي (٤) الذي قال فيها: الفتوى على أن البيع فيها بات.

وإن كان بغبن فاحش فهو بيع جائز ويلزم الوفاء بالوعد، إذ هي مندرجة في إطلاق قاضيخان منطوقًا، ومأخوذة من كلام الحاوي مفهومًا. (الوعد بالرد إلى أجل يفسد البيع) وإن وعد به إلى أجل على معنى: وأن لم يأت به للأجل بت البيع، فالبيع فاسد، لأنه تعليق البيع على عدم الإتيان بالثمن في السنة، والبيع لا يقبل التعليق (٥) .

(شرط الرد مطلقًا يفسد البيع) وإن ذكره شرطًا مع الإطلاق (٦) فسد أيضًا، لأن البيع، كما لا يصح معلقًا لا يصح إذا شرط فيه شرط فاسد، وهو وإن لم يكن مقارنًا للعقد بل ألحق به فقد مر أنه يلتحق ولو في غير المجلس على الصحيح (٧) ، (شرط الرد إلى أجل يفسد البيع) وإن ذكر شرطًا مع التأجيل فكذلك لذلك (٨) .

وإذا فرغنا من الفصل الأول الباحث عن نفس العقد، ننقل الكلام إلى بقية الفصول الباحثة عن متعلقاته، مقدمين منها ما يتعلق بمحله، إذ هو من أركانه، فنقول:


(١) إن بثمن المثل لزم البيع، وإن بغبن فاحش لزم الرد، واليسير ملحق بالمثل فيما يظهر. ب.
(٢) عن الوقت. ب.
(٣) بلا تأقيت. ب.
(٤) المتقدمة عن الخيرية. ب.
(٥) وهذا على عكس ما يذكرونه في باب خيار الشرط من مسألة البيع على أن المشتري إن لم يأت بالثمن إلى كذا فلا بيع، لأن الإتيان بالثمن في المدة هنا يترتب عليه عدم تمام البيع، وعدم الإتيان به فيها يترتب عليه التمام، وفي مسألة باب الخيار تمام البيع موقوف على الإتيان به في المدة وعدمه بعدمه. هـ. منه. ب.
(٦) قسيم قوله فإن وعد ... إلخ. وفي هذا قسمان كالذي قبله. ب.
(٧) يلتحق الشرط الفاسد بالعقد ولو في غير المجلس على الصحيح، وقيل: لا يلحق كما في رد المحتار من البيوع فاختلف التصحيح. ج. ر. في الأصل يلتحق عند أبي حنيفة وإن كان الالتحاق بعد الافتراق عن المجلس، وقيل لا وهو قولهم وهو الأصح كما في جامع الأصولين. رد المحتار: ٤/١٢٠.
(٨) تضمنت مجلة العقود والالتزامات التونسية أحكام بيع الثنيا التي كان العمل بها جاريًا بتونس قبل أن تفسخ بقانون رقم (١) لسنة ١٩٥٨ المؤرخ في ١٨ يناير ١٩٥٨، وذلك من الفصل ٦٨٤ إلى ٦٩٩ بدخول الغاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>