وتحقيق ذلك أن هذا العقد وإن اتحد ظاهرًا فقد تعدد باطنًا لأنه عقدان: عقد على الشجر وهو بيع وفاء، وعقد على الثمر وهو بيع بات، وإنما لم يجعل وفاء أيضًا حتى يكون الكل معقودًا عليه عقد واحد وفائي، مع أن هذا هو المتبادر فيه، لأن الثمر لكونه من المنقول الذي لا ينتفع به إلا باستهلاك عينه لا يصح فيه عقد وفاء على ما مر. وإذا انتفى كونه تعين أنه بات. وسبب الاختلاف بعد ذلك في صحته وفساده الاختلاف في أنه من (باب الصفقة في الصفقة التي هي مفسدة) باب الصفقة في الصفقة والمراد منها بيع البيعتين في بيعة. وهي من البيوع المنهي عنها. وفي ذلك ثلاث روايات: الأولى حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمر: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة) . الأول أخرجه أحمد: ٢/٤٣٢؛ والثاني رواه الترمذي: ٣/٥٣٣، وكذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة وعن ربح ما لم يضمن) . أخرجه أحمد: ٢/١٧٤ - ١٧٥؛ والرواية الثانية حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا". ذكره الشوكاني وقال في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة. نيل الأوطار: ٥/١٧٢؛ والرواية الثالثة حديث ابن مسعود:(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة) . أخرجه أحمد: ١/٣٩٨، (ولا تحل الصفقتان في صفقة) . رواه الطبراني في الأوسط، وذكره الزيلعي في نصب الراية: ٤/٢٠، (والصفقة في الصفقتين ربا) . أخرجه العقيلي وذكره الزيلعي: ٤/٢٠. التي هي من المفسدات أم لا. وسبب هذا الاختلاف ما في الوفاء من معنى الرهن ومعنى [٣٩٣] البيع وعدم تمحضه لواحد منهما. وذلك أن اشتراط العقد على أحد الشيئين في العقد على الآخر إن كانا من نوعين مختلفين كاشتراط بيع في إجارة أو العكس فهو من باب الصفقة في الصفقة، وإن كانا من نوع واحد وكان أحدهما من توابع الآخر كالثمر للشجر لم يكن من بابها. ولهذا صح اشتراط الثمر في البيع البات للمشتري وكان البيع في الكل صحيحًا.