ولما تجاذب في الوفاء الرهن والبيع جاء الخلاف، إذ من لاحظ فيه جهة الرهن، وهو من غير نوع البيع، رأى أن اشتراط بيع الثمر في بيع الشجر من باب الصفقة في الصفقة لأنه اشتراط للبيع في الرهن [والرهن في البيع، ومن الثاني جاء الفساد لبيع الثمرة](١) ، ومن نظر فيه لمعنى البيع لم يره من بابها فكان البيع فيه، مع بتاته، صحيحًا. ومعنى كون الثمرة على هذا مضمونة بحصتها من الثمن سقوط تلك الحصة عن البائع من ثمن الوفاء. وذلك إنما يظهر بالتقويم، بأن يقوم الشجر بالثمر وبدونه، وينظر لما بينهما من النسبة، ويقسم الثمن بين الشجر والثمر على تلك النسبة. فحصة الثمر تسقط لأنها ثمن مبيع بات قبضه المشتري واستهلكه عن غير فسخ فيه، فلا وجه لرد ثمنه. وحصة الشجر لا تسقط بل ترد لأنها ثمن وفاء فسخ ورد مثمنه وهو الشجر، فلا بد من رده. وهذا وحده هو ثمن الوفاء في الحقيقة وإن كان يتراءى أن جميع ما دفعه المشتري ثمنه، مثلًا لو كان قيمة الشجر مع الثمر ألفا وبدونه تسعمائة كانت نسبة قيمة الثمر من مجموع القيمتين العُشر وهو مائة، ونسبة قيمة الشجر منه تسعة أعشاره وهو تسعمائة.
[٣٩٤] فلو كان المدفوع أولًا من المشتري خمسمائة يقسم هذا على عشرة فيكون عشرها وهو خمسون هو حصة الثمر من الخمسمائة فتسقط عن البائع، وتسعة أعشارها وهي أربعمائة وخمسون هي حصة الشجر فيردها البائع للمشتري لأنها هي ثمن الوفاء. وعلى القول بالفساد في بيع الثمرة وأنها مضمونة بجميع قيمتها يسقط عن البائع مائة إذ هي قيمة الثمرة ولا يرد للمشتري سوى أربعمائة.
فإن قلت: غرض المشتري من اشتراط الثمرة لنفسه أن تسلم له مجانًا كما يسلم له الحادث بعد العقد كذلك، والكل نزل المبيع وفاء المعتبر بيعه في حق المشتري باتًّا، ليحل له فيما افترقا حتى ضمن القديم لا الحادث.
قلت: بحدوث الحادث على ملكه الوفائي دون القديم، واعتباره بيعًا باتًّا في حق المشتري، إنما هو في خصوص الحادث لا مطلقًا، وإلا لما توقف كون القديم للمشتري على اشتراطه كما لا يتوقف الحادث عليه.
فإن قلت: لِمَ اعتبر العقد على القديم بيعًا صحيحًا أو فاسدًا حتى كان مضمونًا بأحد الضمانين؟ (هبة الثمر على شجر الوفاء) وهلًّا اعتبر هبة حتى لا يضمن كما هو غرض المتعاقدين؟