للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل السابع

في ادعاء المشتري وفاء على مشتريه

وادعاء مشتريه له على غيره

أما الأول بأن يدعي خارج على ذي يد أن هذا ملكي فيدفعه ذو اليد بأني لست بخصم لك فيه لأني لست بمالك له، وإنما هو في يدي بعقد الوفاء فيه. فالذي في هذا الفصل من الفصول أنه وقع الاستفتاء من فرغانه (١) بسمرقند عن هذه المسألة:

(وأنه هل يشترط، يعني لسماع هذه الدعوى حضرة البائع والمشتري؟ ووقع الجواب من صاحب الهداية والكثير من السمرقنديين بأنه يشترط.

وأجاب القاضي علاء الدين بدر بأنه لا يشترط) (٢) .

وأقول: سبب هذا الاختلاف عدم خلوص الوفاء للبيع البات ولا للرهن، وذلك أن الدعوى على المشتري باتًّا فيما في يده مسموعة قطعًا، ولا يسمع منه: إني اشتريته من فلان فاصبر إلى أن يحضر، وعلى المرتهن غير مسموعة قطعًا إذا ثبت كونه مرتهنًا منه إما بإقرار المدعي به، أو بإثبات المدعى عليه ذلك بالبينة على ما عرف

[٤١٦] في المخمسة (٣) ، إذ من وجوه الدفع فيها: ارتهنته من الغائب. ولما تجاذب في الوفاء البيع والرهن جاء الاختلاف. فمن نظر فيه إلى جهة الرهن، وهو نظر الجماعة، لم يسمعها عليه بدون حضرة البائع، ومن لاحظ جانب البيع، وهو ملحظ علاء الدين بدر، سمعها دون توقف عليه، ويظهر لي رجحان ما عليه الجماعة، فإن عدم اشتراط حضرة البائع - الذي ذهب إليه - بدر إن كان مبنيًّا على القول بأن الوفاء بيع بات، فذلك القول وإن كان يقتضيه (٤) إلا أنه لمنافاته لمقاصد الناس فيه لا ينبغي البناء عليه، وإن كان لما فيه من معنى البيع على المختار فيه من التركيب، (المعتبر في بيع الوفاء جهة الملك في حق الانتفاع به خاصة وفيما سواه جهة الرهن) فقد تكرر عليك أن جهة البيع إنما اعتبرت فيه ضرورة في حق الانتفاع به خاصة، وأما فيما سواه فالمعتبر فيه جهة الرهن، وهذا مما سواه، مع أنَّا نقطع بأنه لا يدعي ملك العين فيه لنفسه بل ملك المنافع، فأي فرق بينه وبين المستأجر وهو يدعي ما يدعيه من ملك المنفعة فقط حتى لم تسمع الدعوى عليه بغيبة المؤجر؟ وجعل ادعاء الاستيجار من الغائب من وجوه الدفع في المخمسة اتفاقًا، وتسمع على هذا من المشتري بغيبة البائع، ولم يجعل ادعاؤه الشراء الوفائي منه [من] (٥) وجوه الدفع فيها.


(١) اسم بلدة. ب. في خراسان بناها أنوشروان. ويطلق الاسم على الإقليم كله الذي يجمع سبع مدائن. الحميري. الروض المعطار: ص٤٤٠.
(٢) أصل المسألة: المشتري شراء جائزًا هل يصلح خصمًا للمدعي قبل القبض بدون حضرة البائع؟ قال صاحب الفصول: (سئل جدي شيخ الإسلام برهان الدين رحمه الله فأجاب بأنه يشترط حضرة البائع. وقال: استفتيت من فرغانة في هذه المسألة فأجاب كثير من مشايخ سمرقند كما أجبت إلا القاضي الإمام علاء الدين بدر فإنه قال: لا يشترط حضرة البائع فحصل فيه اختلاف المشايخ) . العمادية. نخ. اليوسفية: ١٢ ب - ١٣ أ؛ الجامع: ١/٣٧.
(٣) من وجوه الدفع أن لا يكون صاحب اليد أهلاً للخصومة. وذلك في حالات جمعها النسفي في قوله: (قال ذو اليد: هذا الشيء أودعنيه أو أعارنيه أو آجرنيه أو رهننيه زيد الغائب أو غصبته منه) وزاد الكاساني: (أو سرقته أو أخذته أو انتزعته أو ضل منه فوجدته) . وأقام البينة على ذلك (١) تندفع عنه الخصومة عند عامة العلماء، (٢) وقال ابن أبي ليلى: تندفع عنه الخصومة أقام البينة أو لم يقم، (٣) وقال ابن شبرمة: لا تندفع عنه الخصومة أقام البينة أو لم يقم. هذا إذا لم يكن الرجل معروفًا بالافتعال والاحتيال، (٤) فإن كان تندفع عنه الخصومة عند أبي حنيفة ومحمد أيضًا، (٥) وعند أبي يوسف لا تندفع. وهي المسألة المعروفة بالمخمسة لاختلاف العلماء فيها على خمسة أقوال. الكاساني. البدائع: ٦/٢٣١؛ وفي البحر: إنها لقبت بذلك لأن صورها خمس: وديعة وإجارة وإعارة ورهن وغصب. ابن نجيم: ٧/٢٢٨.
(٤) ط. قوله: وإن كان يقتضيه، إنما كان يقتضيه لما تقدم من أن مشتري البات تسمع الدعوى عليه لادعائه الملك لنفسه فيه. اهـ. منه. ب.
(٥) الزيادة في ج.

<<  <  ج: ص:  >  >>