للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولًا - مذهب المالكية:

قالوا في أحد القولين أنه بيع فاسد يفسخ ولو أسقط الشرط على المذهب ما لم يفت فيمضي بالقيمة، قال: ويفهم من قول الناظم (والخرج بالضمان) إن الغلة إنما تكون للمشتري على القول بأنها بيع فاسد إذا قبض ذلك المبيع، لأن الضمان إنما ينتقل للمشتري في الفاسد بالقبض، وأما إذا لم يقبض المشتري ذلك المبيع بل تركه بيد البائع بإيجاره أو اشترى منه البستان ونحوه بالثنيا وتركه بيده بمساقاة ونحوها ليأتيه بغلة، فإنه لا غلة للمشتري قولًا واحدًا لأنه لم ينتقل ضمانه إليه وسواء كان الشراء بالثمن المعتاد أو بأقل بكثير أو قليل بدليل التعليل بل لو قبضه ثم رده إليه عقد إجارة أو مساقاة ونحوها لم تكن له غلة لأن ما خرج من اليد وعاد إليها لغو كما هو مقرر في بيوع الآجال.

ويترتب على القول بأنه بيع فاسد إذا وقع الإمضاء قبل فسخ العقد الفاسد فإنه لا يصح لأنه تتميم للفساد.

قال أبو الحسن: المنصوص في كل موضع أن البيع الفاسد لا يصح إمضاء البيع فيه بعد فسخ العقدة الفاسدة وإذا لم يتعرض لفسخها فسخت الثانية وبقيت الأولى على فسادها (١) .

القول الثاني: إنه رهن قاله الشيخ أحمد زروق وهو المشهور قال عبد الباقي: وهو ظاهر من جهة المعنى وهو توافقه مع المشتري على أن يرد له المبيع (٢) .

ونقل عن وثائق ابن مغيث عن القابسي: أن حكمه قبل انقضاء أجل الثنيا حكم البيع الصحيح فالغلة فيه للبائع لأنه بمنزلة الرهن، وهو بعد انقضاء الأجل بمنزلة البيوع الفاسدة، أي: فالغلة فيه للمشتري.

ثم نبه على أنه يجب أن يقيد الخلاف المذكور بما إذا لم يجر العرف بالرهنية كما عندنا اليوم ولذا يقع بأقل من الثمن المعتاد بكثير ويسمونه بيعًا وإقالة، فيبيع الرجل بالإقالة ما يساوي الألف بخمسمائة أو ما يساوي المائة بستين أو بثلاثين ونحو ذلك فلا يختلفون أنها رهن حيث اشترطت الإقالة في العقد إذا لم يسمح البائع بسلعته إلا على ذلك، وتجد البائع إذا سئل عن سلعته أو أرضه يقول: إنها مرهونة ويطلب زيادة الثمن فيها ويعرضها للبيع وهي بيد مشتريها، وإذا سئل المشتري عنها أيضًا قال: إنها مرهونة عندي أو عندي فيها بيع وإقالة وإن البائع لم يكمل البيع فيها ونحو ذلك فالبيع والإقالة عندهم مرادف للرهن يعبر بأحدهما عن الآخر.

مفرق الناس اليوم ومقصودهم في هذا البيع إنما هو الرهنية كما هو مشاهد بالعيان وإذا كان العرف فيها الرهنية فيتفق على رد الغلة وعدم الفوات لأن الأحكام تدور مع الأعراف ومقاصد الناس، ومن أدل دليل الرهنية كونه بأقل من الثمن المعتاد بكثير إلى غير ذلك. وقد قالوا: كما للقرافي وغيره إن حمل الناس على أعرافهم ومقاصدهم واجب والحكم عليهم بخلاف ذلك من الزيغ الجور (٣) .


(١) البهجة شرح التحفة: ٢/٦١، ٦٢.
(٢) البهجة شرح التحفة: ٢/٦٠، ٦١.
(٣) البهجة شرح التحفة: ٢/٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>