للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا - مذهب الشافعية:

قال صاحب قلائد الخرائد: بيع العهدة المعروفة بحضرموت وغيرها، وهي أن يتفق المتبايعان أن البائع متى أراد رجوع المبيع له أتى بمثل المعقود به وفسخ البيع، أو يفسخ عليه، رضي المشتري أو لا، وكذا إن اتفقا أنه إن أراد فك البعض فله ذلك كما صرح به بعض الفقهاء، وهو فاسد إن وقع الشرط في نفس العقد أو بعده في زمن الخيار.

فإن وقع قبل العقد بالمواطأة، ثم عقدا مضمرين ذلك فهو وعد لا يلزم على مذهب الشافعي رحمه الله، ولكن رأى جماعة من أهل العلم تنفيذه بناء على وجوب الوفاء بالوعد، كما هو مذهب مالك وغيره، وأقاموا ذلك مقام الحقوق اللازمة حتى ينوب الحاكم في الفسخ أو قبوله حيث غاب المشتري أو امتنع فلو شرطا أنه لا يفك إلا بعد سنتين أو أقل أو أكثر: فلم أر من ذكرها، غير أن من المعلوم أن الوعد يكون مطلقًا ومقيدًا بشرط أو بزمن. وعلى ذلك عمل أهل الجهة من غير نكير أعني أنه إذا شرط أنه لا يفك المعهد إلا بعد مدة معينة اعتبر نصبها للزوم الفكاك.

ومثل ذلك لو شرط أن لا يفك إلا بعد أن يستغل المتعهد طريقًا أو موسمًا في الزرع أو أكثر (١) .

وقال صاحب بغية المسترشدين: لم أر من صرح بكراهة بيع العهدة المعروف بين الناس فإن نَصَّ أحد على الكراهة فلا يبعد أن يكون وجهها إما إخلاف الوعد إن عزم عليه لأنه مكروه أو الاستظهار على المشتري لغير ما عللوه به كراهة بيع العهدة.

ثم قال: بيع العهدة المعروف صحيح جائز وتثبت به الحجة شرعًا وعزمًا على قول القائلين به، وقد جرى عليه العمل في غالب جهات المسلمين من زمن قديم وحكمت بمقتضاه الحُكَّام وأقره من يقول به من علماء الإسلام مع أنه ليس من مذهب الشافعي وإنما اختاره من اختاره ولفق من مذاهب للضرورة الماسة إليه ومع ذلك فالاختلاف في صحته من أصله وفي التفريع عليه لا يخفى على من له إلمام باللفق.

ثم قال: وصورته أن يتفق المتبايعان على أن البائع متى أراد رجوع المبيع إليه أتى بمثل الثَّمن المعقود عليه، وله أن يقيد الرجوع بمدة فليس له الفك إلا بعد مضيها ثم بعد المواطأة يعقدان عقدًا صحيحًا بلا شرط إذ لو وقع شرط العهدة المذكور في صلب العقد أو بعده في زمن الخيار أفسده، فليتنبه لذلك فإنه مما يغفل عنه (٢) .

قال في نهاية المحتاج: والحاصل من كلامهم: إن كل شرط مناف لمقتضى العقد إنما يبطله إذا وقع في صلبه أو بعده قبل لزومه من خلاف ما لو تقدم عليه ولو في مجلسه (٣) .


(١) قلائد الخرائد وفرائد الفوائد: ٢/٣١٧، ٣١٨.
(٢) بغية المسترشدين: ص١٣٣، الموسوعة الفقهية: ٩/٢٦١.
(٣) نهاية المحتاج: ٣/٤٣٤، ٤٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>