للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصل الرهن في اللغة هو الثبوت والدوام كقولهم وأرهنت لهم الطعام والشراب أي أدمته لهم وهو طعام راهن وكذلك يطلق على الحبس كما في قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (١) .

{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (٢) .

أي كل محبوس بكسبه بحيث لا ينفك عنهما عند الله تعالى سواء كان خيرًا أو شرًّا. وأما معنى الرهن في الشرع فهو احتباس العين وثيقة بالحق ليستوفى الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند تعذر أخذه من الغريم. هكذا حده العلماء (٣) . والمراد بقولهم وثيقة أي شيء متوثق به وذلك لأن الدين أصبح بحبس هذه العين محكمًا لا يسع المدين أو تضيع عليه هذه العين كلها أو بعضها بحسب ذلك الدين. وفي الاصطلاح تسمى العين المرهونة رهنًا وصاحبها الذي رهنها يسمى راهنًا وصاحب الدين مرتهنًا.

ومن شروط صحة الرهن أهلية التصرف من الجانبين وتفاصيل هذا الشرط متفق عليها إلا أن الفقهاء اختلفوا في رهن الصبي المميز. فرأى الجمهور أن الصبي المميز يصح أن يكون راهنًا أو مرتهنًا لأنه يعرف معنى المعاملة ويدرك ما يترتب عليها من منافع ومضار ومع هذا فإن عقده متوقف على إقرار الولي وذلك لضمان سلامة تصرفه من الخسارة. وخالف الشافعية وقالوا رهن الصبي لا يصح ولو كان مميزًا ولو أذن وليه.

وفي الشروط عند الحنفية أن لا يكون المرهون مشاعًا سواء أكان عقارًا أو عروض تجارة أو حيوانًا وخالفهم المالكية وقالوا بجواز رهن المشارع. قال القرطبي:

(لما قال تعالى: {مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:٢٨٣] قال علماؤنا: فية ما يقتضي بظاهره ومطلقه جواز رهن المشاع. خلافًا لأبي حنيفة وأصحابه، لا يجوز عندهم أن يرهنه ثلث دار ولا نصفًا من عبد ولا سيف، ثم قالوا: إذا كان لرجلين على رجل مال هما فيه شريكان فرهنهما بذلك أرضًا فهو جائز إذا قبضاها. قال ابن المنذر: وهذا إجازة رهن المشاع، لأن كل واحد منهما مرتهن نصف دار. وقال ابن المنذر: رهن المشاع جائز كما يجوز بيعه) (٤) .

ومن الشروط التي اختلف فيها الفقهاء هي أن تكون العين التي يراد رهنها موجودة وقت العقد فقد رأى الحنفية والشافعية والحنابلة عدم صحة الثمرة التي لم توجد لأن المالك لا يقدر على التسليم وقت العقد.


(١) سورة المدثر: الآية ٣٨.
(٢) سورة الطور: الآية ٢١.
(٣) تفسير القرطبي: ٣/٤٠٩.
(٤) تفسير القرطبي: ٣/٤١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>