للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخالف في ذلك المالكية حيث قال بعضهم: إذا كان المرهون معروفًا وقت العقد بالكلية فإنه لا يجوز رهنه وذلك كثمر الحديقة قبل بروزه، أما إذا برز ولو كان صغيرًا فإنه يجوز رهنه باتفاق عندهم، وذهب بعضهم إلى جواز رهن المعدوم بالكلية كثمر الحديقة أو ولد الناقة أو نتاج القطيع لسنين قادمة إذا علق الرهن على عقد آخر من عقود البيع أو القرض (١) .

واختلف العلماء في رهن ما في الذمة ومثاله رجلان تعاملا لأحدهما على الآخر دين فرهنه دينه الذي عليه. أجاز المالكية هذا الرهن وخالفهم بعض العلماء. قال القرطبي:

(قال ابن خُوَيزمندار: وكل عرض جاز بيعه جاز رهنه ولهذه العلة جوزنا رهن ما في الذمة لأن بيعه جائز ولأنه مال تقع الوثيقة به فجاز أن يكون رهنًا قياسًا على سلعة موجودة.

وقال من منع ذلك: لأنه لا يتحقق إقباضه والقبض شرط في لزوم الرهن؛ لأنه لا بد أن يستوفي الحق منه عند المحل ويكون الاستيفاء من ماليته لا من عينه ولا يتصور ذلك في الدين) (٢) .

وقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:٢٨٣] ، يقتضي حقيقة القبض عند الشافعي لأن الله تعالى لم يجعل الحكم إلا برهن موصوف بالقبض فإذا عدمت الصفة يجب أن يعدم الحكم وهذا ظاهر جدًّا. وقالت المالكية: يلزم الرهن بالعقد ويجبر الراهن على دفع الرهن ليجوزه المرتهن لقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وهذا عقد، وقوله: {بِالْعَهْدِ} [الإسراء: ٣٤] وهذا عهد. وقوله عليه السلام: ((المؤمنون عند شروطهم)) وهذا شرط، فالقبض عندنا في كمال فائدته (٣) .

وقوله تعالى: {مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:٢٨٣] كذلك يقتضي بينونة المرتهن بالرهن، ولا خلاف في صحة قبض المرتهن ولا في قبض وكيله ولكن اختلفوا في قبض عدل يوضع الرهن على يديه: (فقال مالك وجميع أصحابه وجمهور العلماء: قبض العدل قبض، وقال ابن أبي ليلى وقتادة والحكم وعطاء: ليس بقبض ولا يكون مقبوضًا إلا إذا كان عند المرتهن ورأوا ذلك تعبدًا. وقول الجمهور أصح من جهة المعنى لأنه إذا صار عند العدل صار مقبوضًا لغة وحقيقة لأن العدل نائب عن صاحب الحق وبمنزلة الوكيل وهذا ظاهر) (٤) .


(١) ويجب أن لا يختلط هذا باتفاقهم على عدم صحة بيع الثمار قبل أن تبرز ويبدو صلاحها ... وحكمة الشارع في ذلك بالغة إذ من الواضح الجلي أن الشجر قد لا يثمر أو قد تتسلط عليه آفة تعدم ثمره قبل أن يستوي. وللأسف تساهل بعض المسلمين في الاستمساك بهذه القاعدة الشرعية متبعين في ذلك القوانين الوضعية.
(٢) تفسير القرطبي: ٣/٤١١.
(٣) تفسير القرطبي: ٣/٤١٠.
(٤) تفسير القرطبي: ٣/٤١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>