للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند المالكية أن الرهن يبطل إذا خرج من يد المرتهن إلى الراهن بوجه من الوجوه لأنه فارق ما جعل له وهو قول أبي حنيفة غير أنه قال: إن رجع بعارية أو وديعة لم يبطل. وقال الشافعي: إن رجوعه إلى يد الراهن مطلقًا لا يبطل حكم القبض المتقدم.

ولا يجوز غلق الرهن لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يغلق الرهن ولصاحبه غنمه وعليه غرمه)) (١) . وغلق الرهن هو تملك المرتهن الرهن إذا لم يؤد الراهن ما عليه في الوقت المعين وهذا من فعل الجاهلية الذي أبطله الإسلام.

قال القرطبي: (ورهن من أحاط الدين بماله جائز ما لم يفلس ويكون المرتهن أحق بالرهن من الغرماء، قاله مالك وجماعة من الناس.

وروى عن مالك خلاف هذا - وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة - أن الغرماء يدخلون معه في ذلك وليس بشيء لأن من لم يحجر عليه فتصرفاته صحيحة في كل أحواله من بيع وشراء، والغرماء عاملوه على أنه يبيع ويشتري ويقضي، لم يختلف قول مالك في هذا الباب، فكذلك الرهن، والله أعلم) (٢) .

حكم الانتفاع بالمرهون:

أما حكم الانتفاع بالمرهون فيجب التنبه إليه لعلاقته الظاهرة بالربا ويجب أن يكون محل عناية ونظر دقيقين. وفي الوجوه الظاهرة في هذه المعاملة هي أنه يعطي شخص شخصًا آخر مبلغًا من المال في نظير أن يحبس قطعة من الأرض أو حيوانًا أو عربة أو منزلًا ويكون للمرتهن بمجرد العقد أن يتصرف في الرهن كيف يشاء فإما أن يؤجرها إلى الراهن ويضم قيمة الإيجار إلى المبلغ الأصلي وبذلك يزداد رأس مال الدين باطراد كل سنة، وإما أن يؤجرها إلى غير الراهن ويأخذ قيمة الإيجار لنفسه بدون أن يخصمها من أصل المبلغ وإما أن يزرعها هو ويأخذ الزرع من غير أن يكون للراهن أي نصيب فيه وفي جميع الحالات تبقى الأرض تحت يده على سبيل الرهن.

كل هذه الصور من الانتفاع بالمرهون حرام فقد دل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على تحريم الربا بسائر أنواعه وأقسامه واتفق العلماء من السلف والخلف على أن فيها ربا القرض وقد اشتهر في ذلك قولهم: (كل قرض جر نفعًا فهو ربا) بحيث صار كالضروري بين أهل العلم. واشتراط مثل هذا الانتفاع بالمرهون باطل لأنه ينافي مقتضى القرض إذ هو تمليك مال على أن يرد مثله فقط احتسابًا للأجر من الله تعالى وكذلك ينافي مقتضى الرهن وهو كما عرفناه سابقًا جعل عين متمولة تحت يد الدائن بدينه يستوفي منها عند تضرر الوفاء ... وبذلك يكون الانتفاع حرامًا لأنه زيادة لا حق للدائن فيها والربا في الأصل الزيادة وفي الشرع الزيادة في المال بغير وجه حق.

اتفق الفقهاء على أن ورود شرط للانتفاع بالمرهون في صلب عقد الرهن إن كان من قرض حرام ومبطل للعقد واختلفوا فيما إذا لم يرد الشرط في العقد ولكن اتفق عليه المتعاقدان شفاهة. فرأى كثير من الشافعية أن لا حرمة على هذا التواطؤ بين الراهن والمرتهن ولكن قال محققون منهم: هذا من حيث الظاهر وأما من حيث الباطن فحرام، ((إنما الأعمال بالنيات وإنما ولكل امرىء ما نوى)) . وهو الذي يوافق قول الشافعي: والمرتهن لا ينتفع بشيء في الرهن خلا الإحفاظ للوثيقة.


(١) رواه الدارقطني من حديث سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنهم.
(٢) تفسير القرطبي: ٣/٤١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>