للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأى كثير من الحنفية أن الانتفاع بالرهن يمكن أن يفارق الفوائد الربوية، فيصبح الانتفاع بالمرهون متى أمكن أن يفارق عقد الربا وذلك بأن يرهن له العين ويأذن له في الانتفاع بها بشرط أن لا يذكر ذلك في عقد الرهن. ومتى أذن له بالانتفاع فإنه لا يصح الرجوع بعد ذلك، وقالوا إن لذلك نظيرًا وهو ما إذا اقترض من شخص قرضًا ثم أهدى له هدية، فإنها إذا لم تكن مشروطة في العقد كانت جائزة وهذا الرأي جدير بالاعتبار فقد تكون فيه سعة لأن الناس يصعب عليهم أن يتركوا أموالهم بدون استثمار خاصة في هذا الزمن الذي غلبت فيه المادة وقد علمنا أيضًا ما فيه من منزلق في حرمة الربا. ونماء الرهن داخل معه إن كان لا يتميز كالسمن أو كان نسلًا كالولادة والنتاج، وفي معناه فسيل النخل وما عدا ذلك من غلة وثمرة ولبن وصوف فلا يدخل فيه إلا أن يشترطه. هذا وقول الحنفية نماء المرهون يتبعه ليس معناه أن المرتهن يستحقه ملكًا كما قد يتوهم بعض الناس، بل المعنى أن النماء يكون مرهونًا كالأصل.

قال الإمام ابن رشد في بداية المجتهد:

(والجمهور على أن ليس للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن ... وقال قوم: إذا كان الرهن حيوانًا فاللمرتهن أن يحلبه ويركبه بقدر ما يعلفه وينفق عليه. وهو قول أحمد وإسحاق بما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة)) .

وذكر بعض الفقهاء تحذر الجمهور من العمل بهذا الحديث وقالوا إنه يخالف أصولًا مجمعًا عليها وآثارًا ثابتة لا يختلف في صحتها. ولذلك رأى بعضهم أن الحديث كان قبل تحريم الربا وذكروا حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري وغيره.

((لا تحلب ماشية امرىء بغير إذنه ... )) وذهب أكثرهم إلى التأويل وحملوا الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون فيباح حينئذٍ للمرتهن وهو قول الأوزاعي والليث وأبي ثور رحمهم الله تعالى.

واستند هذا الفريق من العلماء على حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه: له غنمه وعليه غرمه)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>