للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند الحنابلة رحمهم الله تعالى:

أما فقهاء الحنابلة رحمهم الله تعالى فلم يلقبوا هذا البيع بلقب خاص، لا بلقب بيع الوفاء كما ذكره الحنفية رحمهم الله، ولا بلقب الثنيا، كما ذكره المالكية رحمهم الله تعالى، بل حينما يذكر الحنابلة بيع الثنيا فالمراد عندهم بيع مع الاستثناء (١) .

ولكن ذكروا هذه المسألة مسألة بيع الوفاء في كتبهم، واختلفوا أن البيع في هذه الصورة صحيح أم فاسد، والاختلاف عندهم مبني على أن البيع بشرط واحد صحيح عندهم، وأن البيع بشرطين فاسد عندهم، فاختلفوا في أن هذه الصورة من البيع (بيع الوفاء) تتضمن شرطًا واحدًا أم شرطين؟ فأولًا نذكر عبارات فقهاء الحنابلة رحمهم الله تعالى، ثم نذكر ما يستنبط منها.

قال ابن قدامة في المغني: (إذا شرط الخيار حيلة على الانتفاع بالقرض ليأخذ غلة المبيع ونفعه في مدة انتفاع المقترض بالثمن، ثم يرد المبيع بالخيار عند رد الثمن، فلا خيار فيه، لأنه من الحيل، ولا يحل لأخذ الثمن الانتفاع به في مدة الخيار، ولا التصرف فيه. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يشتري من الرجل الشيء ويقول: لك الخيار إلى كذا وكذا مثل العقار، قال: هو جائز إذا لم يكن حيلة أراد أن يقرضه فيأخذ منه العقار فيستغله، ويجعل له فيه الخيار ليربح فيما أقرضه بهذه الحيلة، فإن لم يكن أراد هذا فلا بأس. قيل لأبي عبد الله: فإن أراد إرفاقه أراد أن يقرضه ما لا يخاف أن يذهب، فاشترى منه شيئًا، وجعل له الخيار ولم يرد الحيلة. فقال أبو عبد الله: هذا جائز، إلا أنه إذا مات انقطع الخيار لم يكن لورثته. وقول أحمد بالجواز في هذه المسألة محمول على المبيع الذي لا ينتفع به إلا بإتلافه، أو على أن المشتري لا ينتفع بالمبيع في مدة الخيار، لئلا يفضي إلى أن القرض جر منفعة) (٢) .


(١) راجع الشرح الكبير: ٤/٢١٠.
(٢) المغني، لموفق الدين ابن قدامة: ٣/٥٩٢؛ والمغني مع الشرح الكبير: ٤/١١٦، ١١٧، والروض الندي، لأحمد البعلي: ص٣١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>