واتجه المسلم إلى دينه وقواعده ومقاصده ومبادئه السامية فوجد أن الله حرم الربا تحريمًا قاطعًا لا يتطرقه شك.
وكان صاحب المال يطمع في نفع مالي وأرباح مادية تنمي مكاسبه، وكان التاجر والصانع والموظف وإن لم يكن أحدهم في ضائقة يسعون إلى توسيع دائرة العمل وبسط ساحات التجارة وإنشاء المسكن والمأوى.
والتفت الناس إلى هذا العقد الذي هو بيع وفيه مواصفات تصلح لإرضاء شهوات ورغبات كل الأطراف فهذا ينمي ماله في يسر وسهولة والآخر يقضي حاجته ويدرك غايته.
فهل يدخل تحت سقف عقود القرض ويشمله ما يشملها من أحكام قد تدفع إلى الحرمة والإثم إذا صاحبها التعامل الربوي المنهي عنه أم لا يدخل في ذلك ويخط لنفسه الطريق الحلال الذي يرضي كل الأطراف خاصة وإن هذه التكتلات المالية تسد الطرق أمام النمو الاقتصادي إذا لم يتعامل معها الناس حسب ما ترسمه لهم من مواصفات وتخطه من مخططات ومناهج قد تنحرف عن مبادىء ومناهج وقيم المتمسكين بدينهم الساعين إلى المحافظة على تطبيقه والسير في حدوده دون انحراف أو تجاوز.
ومن هنا جاء التدارس لموضوع بيع الثنيا أو بيع الوفاء وتحديد موقف الفقهاء منه.
بيع الوفاء في المذهب الحنفي:
نلاحظ أولًا أن هذا العقد لا وجود له قديمًا عند كافة المذاهب ومنهم الحنفية. يقول الزيلعي (١) : (ومن مشائخ سمرقند من جعله بيعًا جائزًا منهم الإمام نجم الدين النسفي الذي يقول اتفق مشائخنا في هذا الزمن فجعلوه بيعًا جائزًا) .
تعريفه:
قال الإمام العلامة الشيخ محمد أمين المعروف بابن عابدين في حاشيته (رد المحتار على الدر المختار) : (صورة بيع الوفاء كما في العناية وفي الكفاية هو أن يقول البائع للمشتري: بعت منك هذا العين بما لك عليَّ من الدين على أني متى قضيته فهو لي) .
ويسمى عند علماء الشافعية بالرهن المعاد وعند أهل مصر ببيع الأمانة وعند أهل الشام ببيع الطاعة.
وقد عرفه بعضهم بقوله: (إنه عقد وضع للتوثيق للدين والانتفاع بالعين) .
ويقول عنه شيخ الإسلام الحنفي محمد بيرم الثاني في رسالته له عن بيع الوفاء: (إنه عقد أحدث تحيلًا لتحصيل الأرباح عن طريق مباح) .
(١) كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: ٣/١٨٤.