حصل الاختلاف بين مشائخ الحنفية على أقوال أربعة حول حكمه.
الأول: أنه رهن، وهذا ما نقله صاحب جواهر الفتاوى، وقال هو الصحيح. وقال صاحب الخيرية إن الذي عليه أكثر الفقهاء أنه رهن لا يفترق عنه في حكم من الأحكام.
قال ابن عابدين: وبه صدر صاحب الفصولين فقال: (البيع الذي تعارفه أهل زماننا احتيالًا للربا وسموه بيع الوفاء، هو رهن في الحقيقة لا يملكه المشتري ولا ينتفع به إلا بإذن مالكه وهو ضامن لما أكل من ثمره وأتلف من شجره. وللبائع استرداده إذا قضى دينه. فلا فرق حينئذ عندنا بينه وبين الرهن في حكم من أحكامه) .
يقول الزيلعي: (من الفقهاء من جعله رهنًا منهم السيد الإمام أبو شجاع والإمام القاضي الحسن الماتريدي قالوا لما اشترط عليه أخذه عند قضاء الدين أتى بمعنى الرهن لأنه هو الذي يؤخذ ويسترد ويرجع عند قضاء الدين. والعبرة في العقود للمعاني دون الألفاظ حتى جعلت الكفالة بشرط براءة الأصل حوالة وبالعكس كفالة والاستصناع عند ضرب الأجل سلمًا. فإذا كان رهنًا لا يملكه ولا ينتفع به. وأي شيء أكل من زوائده يضمن ويسترد عند قضاء الدين ولو استأجره البائع لا تلزمه أجرته كالراهن إذا استأجر المرهون وانتفع به ويسقط الدين بهلاكه فيثبت فيه جميع أحكام الرهن.
القول الثاني: أنه بيع فاسد. وينسب هذا القول إلى مشائخ بخارى كما ذكر الزيلعي، وإنما كان فاسدًا عندهم لاشتماله على شرط الفسخ عند قدرة البائع على الإيفاء بالدين وهو شرط فاسد فيؤثر في عقد البيع بالفساد فلا يفيد الملك للمشتري إلا عند اتصاله بالقبض وينقض بيع المشتري كبيع المكره لأن الفساد باعتبار عدم الرضا فكان حكمه حكم بيع المكره.
القول الثالث: أنه بيع جائز لا شبهة عليه وينسب هذا القول لمشائخ سمرقند منهم الإمام نجم الدين النسفي الذي يقول: (اتفق مشائخنا في هذا الزمان على جعل بيع الوفاء بيعًا جائزًا مفيدًا لبعض أحكامه كحل الانتفاع بالمبيع كما أنه لا يملك المشتري بيعه وإنما كان جائزًا لحاجة الناس إليه والقواعد قد تترك بالتعامل مثل جواز الاستصناع وهي جواز ما ليس عند الإنسان.