وفيها رد على من أنكر التداوي وقال: إن كان الشفاء قد قدر فالتداوي لا يفيد وإن لم يكن قدر فكذلك، وأيضًا فإن المرض حصل بقدر الله وقدر الله لا يدفع ولا يرد.
وهذا السؤال هو الذي أورده الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أفاضل الصحابة فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا.
(وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما شفى وكفى فقال: هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله. فما خرج شيء عن قدره، بل يرد قدره بقدره. وهذا الرد من قدره، فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما. وهذا كرد قدر الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، وكرد قدر العدو بالجهاد) .
وأطال ابن القيم في مختلف كتبه الرد على من أنكر الأسباب. وفيما سبق غنية.
جواز عدم التداوي:
ورغم ورود الأحاديث العديدة في الحث على التداوي وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وآل بيته رضوان الله عليهم قد تداووا، فإن الأمة مجمعة على جواز ترك التداوي بل إن بعض الأئمة ومنهم الإمام أحمد ابن حنبل ذهب إلى أن ترك التداوي أفضل لمن قوي يقينه.
قال الإمام الذهبي في كتاب ((الطب النبوي)) فصل التداوي أفضل أم تركه؟: (أجمعوا على جوازه (أي التداوي) ، وذهب قوم أن التداوي أفضل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم تداووا لأنه كان يديم التطبب في صحته ومرضه) . ثم قال:(فالمنصوص عن أحمد أن تركه (أي التداوي) أفضل، نص عليه في رواية المروزي فقال: العلاج رخصة وتركه درجة. وسئل أحمد عن الرجل يتداوى يُخاف عليه؟ قال: لا، هذا يذهب مذهب التوكل. وكذلك سأله إسحاق في الرجل يمرض: يترك الأدوية أو يشريها؟ فقال: إذا توكل فتركها أحب إلي. والدليل عليه ما رواه ابن عباس (رضي الله عنهما) : (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يشفيني. فقال: إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولك الجنة. قالت: يا رسول الله أصبر) . [الحديث أخرجه البخاري ومسلم] .
(وقال صلى الله عليه وسلم: ((سبعون ألفًا يدخلون الجنة لا حساب عليهم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)) وفي رواية: ((هم الذين لا يتطببون ولا يسترقون)) ) [أخرجه البخاري] .