١٠- وأخرج أحمد في مسنده عن رجل من الأنصار قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً به جرح فقال: ادعو لي طبيب بني فلان، فدعوه فجاء، فقالوا: يا رسول الله ويغني الدواء شيئًا؟ فقال:((سبحان الله! وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء؟!)) .
١١- وأخرج أبو داود والطبراني عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على سعد بن أبي وقاص وهو يشتكي. قال سعد: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدري حتى وجدت بردها على فؤادي، فقال لي:(أنت رجل مفؤود، أرسل إلى الحارث بن كلده فإنه رجل متطبب، فلتأخذ سبع تمرات من عجوة وشيئًا من قسط هندي، وشيئًا من ورس وشيئًا من زيت فلتدق التمرات بنواهن ثم تجمع ذلك والتَدِد) ، ففعل فبريء. [ذكره عبد الملك بن حبيب بهذا اللفظ في الطب النبوي] .
وكتب الطب النبوي (ابن السني، أبو نعيم، عبد الملك بن حبيب، ابن القيم، الذهبي السيوطي ... إلخ) مليئة بمئات الأحاديث النبوية الشريفة بدرجاتها المختلفة من صحيح وحسن وضعيف التي فيها أمر أو حث على التداوي بصورة عامة أو بصورة خاصة واستخدام الحجامة والكمأة والحبة السوداء والحناء والسنا ... إلخ ومداواة المبطون والطعون ومداواة الحمى والرمد وإطعام المريض وإدخال السرور عليه وزيارته وآداب الزيارة مما يطول ذكره ولا مجال له هاهنا.
وخلاصة القول أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تداوى وأمر بالتداوي. وقد ذكر الذهبي في الطب النبوي أن هشام قال: قلت لعائشة (رضي الله عنها) أعجب من بصرك بالطب؟! قالت:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طعن في السن وفدت الوفود فتنعته، فمن ثم عرفته)[رواه أبو نعيم] . وعنها رضي الله عنها قالت:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه وكان يقدم عليه أطباء العرب فيصفون له فنعالجه..) .
قال ابن القيم في الطب النبوي: (وفي هذه الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا يتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزًا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه. ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلًا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلًا، ولا توكله عجزًا.