للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما دام كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي (١) .

ويمكن أن يستدل لهم بما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: ((من اكتوى أو استرقى فقد برىء من التوكل)) (٢) وبحديث المغيرة بن شعبة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لم يتوكل من أرقى واسترقى)) (٣) .

كما استدلوا أيضًا بما روى ابن مسعود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)) (٤) وبحديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما أبالي ما أتيت إن شربت ترياقًا تميمة أو قلت الشعر من قبل نفس)) (٥) .

وقد أجاب العلماء عن هذه الأحاديث بعدة أجوبة منها أن هذا فيمن فعل معتمدًا عليه لا على الله أو لخطر الاكتواء، أو يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قصد إلى نوع معين من الكي مكروه بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أبيًّا يوم الأحزاب على أكحله لما رمي، أو يقصد به كى الصحيح لئلا يفعل، كما يرد على الصوفية بما سبق، وبقوله تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: ٦٩] فهو دليل على جواز التداوي بشرب الدواء، كما أن الأحاديث التي استدل بها القائلون بالتداوي صريحة في التداوي، وحجة على أصحاب هذا القول (٦) .

القول الثاني: يباح التداوي وتركه أفضل، وهو المنصوص عن أحمد (٧) ، ونقل عنه أنه قال: أحب لمن اعتقد التوكل وسلك هذا الطريق ترك التداوي من شرب الدواء وغيره، وقد كانت تكون به علل فلا يخبر الطبيب بها إذا سأله.

وفي رواية المروزي: العلاج رخصة وتركه درجة أعلى منه (٨) ، وبنحو هذا قال النووي (٩) .

وعللوا رأيهم: بأن تركه تفضلًا واختيارًا لما اختار الله ورضي به وتسليمًا له.


(١) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: ١٧/١٩٤، ١٠/١٣٩.
(٢) تحفة الأحوذي: ٦/٢١٤، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال المباركفوري: (وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك ... ) ، وانظر جامع الأصول: ٧/٥١٦؛ والسنن الكبرى، للبيهقي: ٩/٣٤١؛ والمجموع، للنووي: ٩/٥٣؛ والآداب الشرعية: ٢/٣٥٩، وقال: وإسناده ثقات.
(٣) الآداب الشرعية: ٢/٣٥٩، وقال: إسناده جيد.
(٤) جامع الأصول: ٧/٥٧٤، وقال: أخرجه أبو داود رقم الحديث (٣٨٨٣) .
(٥) جامع الأصول: ٧/٥١٦، وقال: أخرجه أبو داود رقم الحديث (٣٨٦٩) .
(٦) انظر الجامع لأحكام القرآن: ١٧/١٩٤، ١٠/١٣٩؛ فيض القدير: ٦/٨٢؛ وفتح الباري: ١٠/١٣٥، ١٥٥.
(٧) الفتاوى الكبرى، لابن تيمية: ٢١/٥٦٤.
(٨) الآداب الشرعية، لابن مفلح: ٢/٣٥٨؛ وكشاف القناع: ٢/٧٦.
(٩) المجموع: ٥/٩٦؛ وانظر النووي على مسلم: ٣/٩٠؛ والروضة الندية: ٢/٣٢٩، ٣٣٠؛ وإرشاد الساري: ٨/٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>