للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتج هؤلاء لرأيهم بما وقع في أحاديث كثيرة من ذكره صلى الله عليه وسلم لمنافع الأدوية والأطعمة كالحبة السوداء والقسط والصبر وغير ذلك، وبأنه صلى الله عليه وسلم تداوى، وبإخبار عائشة - رضي الله عنها - بكثرة تداويه، وبما علم من الاستشفاء برقاه (١) ، والأحاديث الدالة على التداوي كثيرة منها:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء)) (٢) .

صحيح مسلم: عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لكل داء دواء، فإذا أصيب دواءُ الداءِ برىء بإذن الله عز وجل)) (٣) .

وفي الحديث أن الصحابة قالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: ((تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير الهرم)) (٤) .

القول الرابع: هو القول بأن التداوي مباح مطلقًا وبه قال جمهور العلماء ومنهم مالك حيث نقل عنه أنه قال: (لا بأس بالتداوي ولا بأس بتركه) (٥) .

واستدلوا بما روي عن أسامة بن شريك قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: ((نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدًا)) ، فقالوا: يا رسول الله ما هو؟ قال: ((الهرم)) (٦) .

وقالوا: إن في هذا الحديث إثبات الطب والعلاج، وأن التداوي مباح غير مكروه قاله الخطابي، وقال العيني: (فيه إباحة التداوي وجواز الطب) (٧) .

وقال القرطبي: دليل على جواز التعالج بشرب الدواء وغير ذلك خلافًا لمن كره ذلك من جلة العلماء، ثم أورد عدة أحاديث في الجواز.. ثم ذكر تداوي بعض الصحابة، ثم قال: وعلى إباحة التداوي والاسترقاء جمهور العلماء (٨) .

ويمكن حمل النقول المخالفة لهذا على حالة الاختيار، والجواز على حالة الاضطرار فيتفق النقلان (٩) .


(١) صحيح مسلم بشرح النووي: ٣/٩٠.
(٢) فتح الباري: ١٠/١٣٤؛ واللفظ للبخاري، والسنن الكبرى للبيهقي: ٩/٣٤٣؛ وص٣٤٩، باب ما جاء في إباحة التداوي وقال الشافعي: والأخبار ... فيما تداوى به، وأمر بالتداوي به كثيرة.
(٣) النووي على مسلم: ١٤/١٩١؛ واللفظ لمسلم؛ والتاج الجامع للأصول: ٣/١٩٨؛ وجامع الأصول: ٧/٥١٣، وعنوان الفصل بجواز التداوي.
(٤) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم بأسانيد صحيحة، وقال الترمذي حديث حسن صحيح، المجموع: ٥:٩٦؛ وجامع الأصول: ٧/٥١٣؛ وتحفة الأحوذي: ٦/١٩٠، كتاب الطب.
(٥) تحفة الأحوذي: ٩/١٩٠، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(٦) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: ١٠/١٩٩؛ والفواكه الدواني: ٢/٤٤٢؛ وانظر فتح الباري: ١٠/١٧٤ - ١٧٨؛ والنووي على مسلم: ١٤/١٩؛ ومعالم السنن: ٤/٢١٦؛ والروضة الندية: ٢/٣٢٩.
(٧) تحفة الأحوذي: ٦/١٩٠؛ وانظر نحو هذا المعنى في فتح الباري: ٧/٣٧٣.
(٨) الجامع لأحكام القرآن: ١٨/١٩٧ - ١٩٩.
(٩) الفواكه الدواني: ٢/٤٤٢؛ ومعالم السنن: ٤/٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>