للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الخامس: هو القول بالوجوب حيث ذهبت طائفة من أصحاب الشافعي وبعض الحنابلة إلى أنه واجب.

وزاد بعضهم: إن ظن نفعه (١) ، وبنحو هذا قال الحنفية: إن كان السبب المزيل للمرض مقطوعًا به كالماء المزيل لضرر العطش والخبز المزيل لضرر الجوع، فتركه حرام عند خوف الموت (٢) .

روى الخلال في كتاب الطب بإسناده عن عروة بن الزبير عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه، فكان يقدم عليه أطباء العرب والعجم فيصفون له فنعالجه) (٣) .

ولحديث أنس - رضي الله عنه: (إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا) (٤) .

الخلاصة والترجيح:

وبعد عرض تلك الأدلة يتبين لنا رجحان قول القائلين بوجوب التداوي أو على الأقل باستحبابه لورود الأمر بذلك وأقل مراتب الأمر الاستحباب.

ولا يمكن الأخذ بما ذهب إليه أصحاب القول الأول من القول بعدم جواز التداوي لأنه يخالف ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من عموم الأمر بالتداوي، وترغيبه في ذلك في مواضع كثيرة، وأن الأخذ بالتداوي هو من باب الأخذ بالأسباب وحصول الشفاء بالدواء كدفع الجوع بالأكل وكدفع العطش بالشرب، وأن التداوي لا ينافي التوكل على الله تعالى لأن المسلم حين يتناول الدواء فإنه يعتقد بقلبه أن الشفاء لا يكون إلا بإذن الله تعالى وبتقديره، وإن الأدوية لا تنفع بذاتها بل بما قدره الله تعالى فيها، وإلا فكم من مريض انقلب دواؤه داء؟.

كما أنه يمكن حمل النهي على سبيل الاحتياط والتنزيه أو عما لا يتعين طريقًا إلى الشفاء.

ومما يشهد لعدم تنافي التداوي مع الإيمان بالقدر ما روى أبو خزامة عن أبيه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: هي من قدر الله) (٥) .

فالحديث صريح في إثبات الأسباب والمسببات، ورد على المتعللين بمخالفته للتوكل لأن المؤمن ينطلق من معتقد أن المرض والشفاء بقدر الله تعالى وأن من أسباب الشفاء هو الأخذ بالتداوي.


(١) الآداب الشرعية: ٢/٣٦١؛ وفتاوى ابن تيمية: ٢٤/٢٦٩، وفيه وإنما أوجبه طائفة قليلة كما قاله بعض أصحاب الشافعي وأحمد: ٢١/٥٦٤.
(٢) الفتاوى الهندية: ٥/٣٥٥؛ إحياء علوم الدين: ٤/٢٧٦؛ والشرواني وابن القاسم: ٣/١٨٢؛ وفتاوى ابن تيمية: ٢١/٥٦٤.
(٣) تخريج الدلالات السماعية: ص٦٧٧.
(٤) عون المعبود: ١٠/٣٣٤؛ وجامع الأصول: ٧/٥١٣، وقال رواه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم، وتحفة الأحوذي: ٦/١٩٠، باب ما جاء في الدواء والحث عليه.
(٥) تحفة الأحوذي: ٦/٢٣٣، وقال: هذا حديث حسن. نيل الأوطار: ٨/٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>