ذلك لأن الاضطرار في المخمصة هو الغالب المعتاد وقد قال العلماء: إن المنطوق إذا ورد مورد الأغلب المعتاد فلا ينظر إلى مفهومه أي لا يحتج بمفهومه، والإنسان مأمور بأن يحافظ على حياته وعلى حياة غيره حسب إمكانه، فلو أن أحدًا أصابه نزيف بين أناس آخرين، أليس من الواجب عليهم أن يسعفوه بقدر طاقتهم وقدرتهم؟ فكذلك هذا الذي يتمكن من العلاج، عليه أن يحافظ على نفسه بقدر ما يقدر، ويدخل في هذا الباب كثير من المسائل التي نوقشت، منها معالجة المرأة للرجل ومعالجة الرجل لها، ومع ما ذكره أصحاب الفضيلة المشائخ من القيد، وهو أن يكون ذلك في حالة الضرورة، و ((الضرورة تقدر بقدرها)) ، أرى أن يضم إلى ذلك قيد آخر وهو وجود المحرم لها إن أمكن وجوده، لأجل العمل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ألا يخلو الرجل بامرأة إلا مع ذي محرم، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة إلا مع ذي محرم)) ، فلا بد من وجود ذي المحرم، هذا مع إمكان وجود ذي المحرم، أما إذا تعذر وجوده، فإسعاف الرجل أو إسعاف المرأة كل منهما أمر واجب مع الضرورة.
العلاج بالمحرمات أيضًا مما يدخل في هذا الباب: وما جاء في الروايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم من منع التداوي بالمحرمات، إنما ذلك فيما كان حرامًا، ومع الاضطرار إلى الحرام لا يكون حرامًا عندما يضطر إليه المضطر هو في حقه حلال، بدليل الآية الكريمة {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} . [الأنعام:١١٩]
مسألة نقل الأعضاء: المجمع وصل إلى فتوى في هذه القضية، ولا أريد أن أعيد الكرة مرة أخرى فيها ولكنني أقول: لا بد من أن توضع لها ضوابط، لأن عدم وضع الضوابط لهذه القضية يفضي بكثير من الناس إلى بيع أعضائهم، والإنسان ليس مالكًا لجسمه إنما يملك منفعته، فلا يملك جسمه حتى يتصرف فيه، ومن المعلوم أن في بعض البلاد الفقيرة يبيع الناس أعضاءهم، فهذه القضية لا بد من أن يوضع لها ضوابط حتى لا يتجاوز الناس الحدود فيها، وحتى لا ينقلب الإنسان إلى رقيق يباع ويشترى في الأسواق، تباع أعضاؤه وتشترى في الأسواق، على أن إهمال وضع الضوابط قد يفضي إلى انتهاك حرمات الإنسان، كما سمعنا أن بعض الناس قد يتسرعون إلى أخذ أعضاء المريض عندما ييأسون من حياته، على أن اليأس من الحياة لا يعني موت ذلك المريض، فهناك كثير من الحوادث التي وصلت بالأطباء إلى اليأس، ولكن مع ذلك لطف الله - تبارك وتعالى - كان أدق من فهم الأطباء وإدراكهم، وأنا بنفسي جاءني ولي أمر فتاة يأمرني بأن أعقد زواجها لشاب، وكان الشاب والفتاة يدرسان معًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد خطبها وأصيبت بمرض سرطان الدم - والعياذ بالله - حتى تساقط شعر رأسها، ولكن من أجل وفاء ذلك الشاب لها أحب أن يقترن بها مع ذلك، فجاءني ولي أمرها وعقدت زواجهما، وقد سمعت أن أقارب الفتاة أخبروا بأنها لن تعيش أكثر من عام، وكان عقد هذا الزواج منذ عشرة أعوام وما سمعت عنها أنها ماتت بل سمعت عنها أنها ولدت أكثر من ولد، والأمر لله - سبحانه وتعالى - فلا ينبغي للأطباء أن ييئسوا أحدًا من الحياة، لأن الموت والحياة بيد الله - سبحانه وتعالى - فالطبيب يتكلم في حدود معرفته والغيب لله سبحانه وتعالى، إنما ينظر بحسب الأسباب التي هيئت له ولا يعرف ما وراء الأسباب إنما هو معروف لله سبحانه وتعالى الذي يخلق الأسباب والمسببات، فوضع ضوابط لمثل هذه القضايا لا بد منه، وأسأل الله تعالى التوفيق للجميع، شكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.