للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والموادعة قد تكون محددة بمدة وقد لا تكون:

والمدة عند الشافعية، تكون أربعة أشهر إلى أقل من سنة، إذا كان بالمسلمين قوة، لقوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} (١) .

ولأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هادن صفوان بن أمية أربعة أشهر عام الفتح؛ ولأن الجزية تجب سنويًّا. فقد رأى الشافعي أن مدة الموادعة على سنة (٢) .

وأما غير الشافعي من الجمهور، فإنهم لم يحددوا للموادعة مدة إنما تركوا لاجتهاد الإمام وبقدر الحاجة، والحاجة تقدر بقدرها. علمًا بأنه لا يجوز أن تكون الموادعة مطلقة إلى الأبد إلا إذا كانت الموادعة على الأموال، فتكون أبدية عند الشافعية، جاء في الفتاوى الهندية (العالمكيرية) : "وتجوز مدة الموادعة أكثر من عشر سنين على ما يراه الإمام من المصلحة " (٣) .

وجاء في الاختيار لتعليل المختار، قوله: "وتجوز الموادعة أكثر من عشر سنين على ما يراه الإمام من المصلحة لأن تحقيق المصلحة والخير لا يوقت بمدة دون مدة". (٤) وذلك لقوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} (٥) .

والأصل في الموادعة أن لا تكون إذا كان بالمسلمين قوة، إلا لمصلحة يراها الإمام أو الدولة أما إذا لم يكن بالمسلمين قوة فالموادعة جائزة، وذلك لضعف يعجزون معه عن القتال، أو لكي يتفرغوا لأعداء آخرين، أو لقمع فتنة بين المسلمين، أو خشية من ضياع جزء من بلاد المسلمين، أو أي مصلحة معتبرة شرعًا (٦) .

والله سبحانه وتعالى الموفق الهادي إلى سواء السبيل.

الدكتور عبد العزيز الخياط


(١) سورة التوبة: الآيتان ١، ٢
(٢) الأم، الشافعي: ٤/ ١٩٠
(٣) الفتاوى الهندية: ٢/ ١٩٧
(٤) الاختيار، للمودودي: ٤/ ١٢١
(٥) سورة النساء: الآية ٩٠
(٦) المعاهدات، للدكتور محمود الديك: ص ٢٩٨

<<  <  ج: ص:  >  >>