للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموادعة:

الموادعة لغة: من وادع بمعنى صالح وسالم، وهي من ودع يدع ودعا سكن واستقر أي صار إلى الدعة، وهي السكون. يقال توادع الفريقان، أي تعاهدا على أن لا يغزو أحدهما الآخر.

والموادعة شرعًا هي المعاهدة، والصلح على ترك القتال، وهي نوع من أنواع الأمان والمعاهدة، فهي أعم من الأمان المؤقت، وأخص من المعاهدة لأن المعاهدة تشمل أنواعًا أخرى من المعاهدة، ونستطيع أن نقول: إن الموادعة هي: "معاهدة صلح بين الفريقين المتحاربين على ترك القتال".

والموادعة لها ركن، وشرط وحكم وصفة:

أما ركنها: فهو لفظ الموادعة أو ما في معناها كالمسالمة أو المصالحة.

وأما شرطها: فالضرورة؛ لأن ترك الجهاد وهو فرض لا يجوز إلا في حال أن يقع وسيلة إلى استئناف الجهاد، وذلك لقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} .

وقد وادع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهل مكة، ولا يشترط إذن الإمام بالموادعة، ولا بأس أن يأخذ المسلمون جُعْلًا مقابل الموادعة، والجعل: المال.

وحكم الموادعة: الأمان على أنفس الموادعين وأموالهم وذراريهم ونسائهم وبلدانهم حتى لو خرجوا إلى بلد أخرى غير بلدتهم، فيبقى حكم الموادعة ساريًا عليهم، ولو دخل إلى دارهم رجل آمن بأمانهم فهو آمن منا بموادعتنا لهم.

وأما صفة الموادعة: فهو عقد غير لازم محتمل للنقض، لقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} (١) .

فيقاتلون بعد ذلك. هذا إذا كان النبذ منا، وإذا كان النبذ من الأعداء فيقاتلون كذلك.

وإذا وادعهم الإمام على مال ثم بدا له أن ينقضه أرجعه إليهم بحصة ما بقي من المدة.

وإذا كانت الموادعة على أن يجري عليهم أحكام الإسلام فالعقد لازم لا يحتمل النقض كما وادع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهل جرباء وأذرح والعقبة (٢) .

ونقول: هل الموادعة هدنة؛ لأن معنى الهدنة الصلح المؤقت وتستمر حالة الحرب بين الطرفين المتحاربين حتى تعقد معاهدة دائمة، أو يستأنف القتال، والموادعة هي المعاهدة على ترك القتال لفترة معينة أو لمدة أطول؟ ورأيي أن الموادعة هدنة لاتفاقهما في المعنى.


(١) سورة الأنفال: الآية ٥٨
(٢) بدائع الصنائع: ٩/ ٤٣٢٤، والاختيار: ٤/ ١٢٠؛ والمبسوط: ١٠/ ٨٦، والأم، للشافعي: ٤/ ١٩٠، وأغلب العبارات للكاساني صاحب البدائع

<<  <  ج: ص:  >  >>