للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ب) الأمان العام: وهو عقد مع العدو الذي لا يُحصر، وهذا الأمان لا يكون إلا من الدولة، من الإمام أو من نائبه، مع أن الإمام له أن يعطي الأمان للجميع وللآحاد؛ لأن ولايته على الأمة جميعها. قال محمد بن الحسن في كتابه (السير الكبير) : " لو حاصر المسلمون حصنًا فليس ينبغي لأحد منهم أن يؤمِّن أهل الحصن إلا بإذن الإمام؛ لأنهم أحاطوا بالحصن فعلًا، ولأن كل مسلم تحت طاعة الأمير.. ولأن ما يكون رجعة إلى عامة المسلمين في النفع والضرر فالإمام هو المنصوب للنظر فيه". (١) ، ومع ذلك، فلو أعطى أحد المسلمين الأمان العام بغير إذن الإمام فهو جائز لأن عليه صحة الأمان، وهو حق لكل مسلم لكن لضرورة التنظيم، ولضبط الأمور، ولتقدير الموقف العام للدولة؛ لا بد من الرجوع للإمام، وقد أعطي الحق للمسلم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((ويسعى بذمتهم أدناهم)) .

وركن الأمان: اللفظ الدال على الأمان مثل أجرتك وأمّنتك، ولقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} (٢) .

ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)) (٣) .

وتعتبر الإشارة كالعبارة، لما ورد عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قوله: "أيما رجل دعا رجلًا من المشركين وأشار إلى السماء فقد أمنه، وإنما نزل بعهد الله وميثاقه"، وقوله: " لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى مشرك فنزل بأمانه فقتله لقتلته به". (٤) .

وحكم الأمان: ثبوت الأمن للحربي غير مسلم (٥) . وهذا خلاف ما عليه القانون الدولي العام، وما عليه الدول المعاصرة من قطع العلاقات السلمية بين الدولتين المتحاربتين إذ يحظر كل اتصال بينهما إلا لمصلحة ضرورية مثل تأمين الأطباء والمرضى لإغاثة الجرحى (٦) . والسبب في هذا الاختلاف، أن دولة الإسلام في حربها هي للدعوة الإسلامية فدخول الحربي بأمان إلى بلاد المسلمين واختلاطه بهم قد يؤدي به إلى اعتناق الإسلام، ولا يخشى على المسلمين من تجسسهم فعيونهم يقظة وتماسكهم وحرصهم على مصلحة الإسلام تمنع المتجسس من اختراق المسلمين ومعرفة أسرارهم الحربية.

وصفة الأمان: أنه عقد غير لازم فلو رأى الإمام المصلحة في النقض نقضه (٧) لكن لا بد أن يخبر الحربي بذلك حتى لا يكون غدر في عهد الأمان. وإذا كان الأمان بوقت معلوم فصفته أن يستمر إلى نهاية المدة.

ومدة الأمان للمستأمن غير محدودة إلا أن بعض الأئمة حددها بمدة أقصاها سنة، فإن تجاوزها أصبح ذميًّا متى قبل الجزية.

وواجب المستأمن: أن يحافظ على الأمن والنظام العام وأن يتقيد بأحكام الإسلام، وأن لا يكون عينًا أو جاسوسًا علينا وإلا فيعاقب على ذلك بما يوازي جريمته. (٨)

والأمان قد يكون مؤقتًا وغير مؤقت، فالأمان غير مؤقت هو عقد الذمة، وغير المؤقت هو الأمان الذي يعطى للحربي (ويدخل فيه المعاهد) ، لفترة من الوقت، لغرض من الأغراض التجارية أو لزيادة الأقارب، أو المطالبة بحق معين. وقد أصبح له الآن إجراءات أمنية كإعطاء تأشيرة الدخول من السفارات والإذن بالإقامة ومراجعة الشرطة، والإقامة المؤقتة، ويعتبر هذا الأمان أمانًا سلميًّا.

وهناك أمان غير سلمي يعطى للمحاربين في أثناء الحرب للجند المحصورين للتسليم والأمان غير الموادعة والهدنة (٩) .


(١) انظر: كتاب الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام: ص ٣٤٨
(٢) سورة التوبة: الآية ٦
(٣) شرح المواهب اللدنية للزرقاني: ٢/ ٣١٣، المطبعة الأزهرية: سنة ١٣٢٥هـ
(٤) الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير: ٢/ ٢٨٨؛ ومنتهى الإرادات: ١/ ٣٢٥
(٥) بدائع الصنائع: ٩/٤٣٢٠
(٦) المعاهدات في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، للدكتور محمود الديك: ص ١٥٣
(٧) بدائع الصنائع: ٩/ ٤٣٢١
(٨) الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام: ص ٣٤٩
(٩) الشرح الصغير، للدردير، التعليق: ٢/ ٢٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>