للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كانت النهضة الصناعية في أوروبا قد أتاحت للدول ألوانًا جديدة من الأسلحة الحربية، وهيأت لبعضها فرصة احتلال الشعوب الضعيفة واستغلالها، ولما كانت الدول القوية قد حدث بينها صراع حول مناطق النفوذ والاحتكار، بحيث يمكن القول بأن الحروب العديدة التي عرفها العصر الحديث العالمية منها والمحلية تكمن أسبابها الجوهرية كلها وراء نزعات الاستعمار وبسط النفوذ، ونهب خيرات الشعوب وثرواتها وبخاصة المتخلفة منه في آسيا وأفريقيا، لما كان كل ذلك لجأت الدول القوية إلى عقد اتفاقات ومعاهدات دولية جديدة تتلاءم مع ظروف العصر، وأهمها معاهدة فرساي المنعقدة في سنة ١٩١٩م عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقد تمخضت هذه المعاهدة عن إنشاء أول تجمع دولي أطلق عليه عصبة الأمم.

وحاولت الجمعية العامة لهذه العصبة تدوين القانون الدولي فشكلت لجنة لهذه الغاية، وقدمت اللجنة تقريرها إلى العصبة في سنة ١٩٢٧م، وتضمن التقرير موضوعات مختلفة ذكرت اللجنة أنها صالحة للتدوين وهي: الجنسية، المياه الإقليمية، مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تلحق بأشخاص الأجانب وأموالهم في إقليمها، والامتيازات والحصانة الدبلوماسية، وإجراءات المؤتمرات الدولية، وإجراء عقد المعاهدات وصياغتها، واستغلال منتجات البحار (١) .

وقرر مجلس العصبة وجوب الدعوة إلى مؤتمر يعقد في لاهاي تكون مهمته تدوين الموضوعات الثلاثة الأولى الواردة في تقرير اللجنة، وعقد هذا المؤتمر في سنة ١٩٣٠م، ولكنه لم يصل إلى اتفاق بشأن المياه الإقليمية ومسؤولية الدولة عن الأجانب في إقليمها.

وبعد الحرب العالمية الثانية عقدت اتفاقية سان فرنسيسكو في سنة ١٩٤٥م وبمقتضاها أنشئت هيئة الأمم المتحدة التي حلت محل عصبة الأمم، وقد نصت المادة: ١٣ في الفقرة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة على ما يأتي: تنشئ الجمعية العامة دراسات وتشير بتوصيات بقصد إنماء التعاون الدولي في الميدان السياسي، وتشجيع التقدم المطرد للقانون الدولي وتدوينه، ولذلك عهدت الجمعية العامة إلى لجنة القانون الدولي ببحث موضوعات شتى تتعلق بالشؤون الدولية.

ويبدو أن اشتباك مصالح الدول وتعارضها في عصر الذرة والصواريخ العابرة للقارات، وما يسمى بحرب النجوم جعل الأحداث الدولية تتوالى بسرعة، وتتناقض تناقضًا بينًا متلاحقًا، بالإضافة إلى وجود قوتين عالميتين تتنازعان السيطرة على العالم فكرًا واقتصادًا ونفوذًا، وهذا كله جعل من العسير إن لم يكن من المستحيل وضع قانون دولي عام ملزم لجميع الدول قبل أن يكون هناك قوة دولية كوسيلة لإلزام من يخرق القانون باحترامه، وتنفيذ كل ما يصدر عن الهيئات الدولية من قرارات وأحكام (٢) .


(١) أصول القانون الدولي: ص ٢٥
(٢) أصول القانون الدولي ص: ٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>