للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصول القانون الدولي العام:

بعد هذه اللمحة التاريخية عن نشأة القانون الدولي في الفكر الإنساني وتطوره، ما هي أصوله التي انتهى إليها فقهاؤه، والتي يرون أنها تحمي الحقوق، وتمنع الاعتداء وتصون السلام؟

وقبل الإجابة عن هذا أود الإشارة إلى أن هؤلاء الفقهاء يختلفون من حيث الأسس التي تقوم عليها أصول هذا القانون، ولذلك جدت نظريات متباينة، فكل فقيه نظر إلى الموضوع من زاوية خاصة، فهناك نظرية قواعد الأخلاق، ونظرية المجاملات الدولية، ونظرية الرضا العام الفردي، والرضا العام الجماعي، ونظرية القانون الطبيعي، ومذهب القانون الوضعي الناشئ عن شروط المعاهدات المكتوبة، ونظرية القومية والجنسية التي تمخضت عن حق تقرير المصير، ونظرية الديانة المسيحية (١) .

ومع تباين آراء الفقهاء في هذا يكاد ينعقد الإجماع (٢) بينهم على أن العرف والمعاهدات هما المصدران المهمان للقانون الدولي العام، وذلك لأن القاعدة القانونية تنشأ وليدة الحاجة، فإن ثبت وجودها عن طريق تكرر استعمالها أصبح العرف مصدرها، وإن ثبت وجودها عن طريق تدوينها في اتفاق أو معاهدة فإنه يكون مصدره في هذه الحالة.

وقد دعت لجنة القانون الدولي التابعة لهيئة الأمم المتحدة في ٢١ نوفمبر سنة ١٩٤٧م إلى إعداد مشروع إعلان حقوق الدول وواجباتها؛ ليصبح القانون الذي تأخذ به الدول في علاقاتها في أوقات السلم والحرب.

وقدمت هذه اللجنة مشروعها إلى الجمعية العامة سنة ١٩٤٨م فقررت صلاحيته، وأحالته إلى الدول الأعضاء لتبدي كل منها رأيها فيه، وضربت لذلك موعدًا غايته شهر يوليو سنة ١٩٥٠م، ولكن الدول جميعها أمسكت عن الرد عليه.

ولأن هذا المشروع يمثل أحدث ما وصل إليه الفكر القانون الدولي في تنظيم العلاقات بين الدول، وتحديد حقوقها وواجباتها رأيت الاكتفاء به في بيان الأصول الوضعية للقانون الدولي العام.

لقد بين المشروع حقوق الدول في أربع مواد، على حين خصص عشر مواد للحديث عن واجبات الدول، وكأنه بهذا يؤكد أن السلام الدولي يفرض واجبات كثيرة، وأن على الدول أن تبذل وتضحي من أجل أمن المجتمع الدولي واستقراره.


(١) الشريعة الإسلامية والقانون الدولي: ص ٧٤
(٢) انظر أصول القوانين، لأحمد كامل مرسي وسيد مصطفى: ص ٩٢، المطبعة الرحمانية، القاهرة

<<  <  ج: ص:  >  >>