للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستمرت هذه الحروب ما يقرب من قرنين فساعدت هي بدورها على ترسيخ هذه العداوة وتقويتها فلم تَخْبُ جذوتها من تلك الأيام، فبهذا الاتصال عرف المسيحيون قوة الإسلام وحقيقته واطلعوا على مظاهر القدرة ومكامن العطاء عند المسلمين والتي تتجلى بفهمهم للإسلام وتطبيقه، واطلعوا أيضًا على خيرات البلاد الإسلامية فطمعوا بها وعزموا من تلك الأيام على احتلال هذه البلاد بكل الوسائل وعلى الاستمرار في حرب الإسلام بكل ما يستطيعون.

وأما الفريق الثاني (ملوك أوروبا وأمراؤها) فقد شجعوا المستشرقين الأوائل والمبشرين تشجيعًا قويًّا , وذلك أولًا: للوقوف في وجه الإسلام الذي أصبح يدق عليهم الأبواب.

وثانيا: للهجوم في المستقبل عليه واستعادة ما أخذ منهم بل والقضاء عليه تمامًا وذلك لأن هؤلاء المستشرقين (١) والمبشرين قد ساعدوا ملوكهم وولاتهم في استيلائهم على الشرق، يقول ذلك نجيب العقيقي في كتابه المستشرقون ومن ثم يمجدهم تمجيدًا واضحًا ويقر لهم بالفضل الواسع علينا فيقول مثلا: "في سبيل هذه الثمار التي يقتطفها الغرب من الشرق أحسن ملوكه صلات المستشرقين فضموهم إلى حاشيتهم أمناء أسرار لهم وانتدبوهم سفراء وقناصل وتراجمة وموظفين في سلكي الجيش والسياسة إلى بلدان الشرق، ومنحوهم ألقاب الشرف الفخمة كبارون وكونت وكراسي التدريس....." (٢) .

وواضح أن المسيحية الروحانية لا تقر مثل هذه التصرفات كما لا يقرها المسيحيون المتنورون.


(١) جلى هذه الفكرة كتاب التبشير والاستعمار خاصة بالنسبة للمبشرين
(٢) المستشرقون، للعقيقي: ص ٥٠

<<  <  ج: ص:  >  >>