للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا قصد المعتدون إلى إشغال المسلمين عن دينهم والجهاد في سبيله وتبليغه إلى جميع البشر بخلافات سفسطائية لا طائل تحتها كان المسلمون الأوائل يأبون التحدث فيها فلما سئل مالك عن الاستواء وكيفيته قال: "الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة" وطرد السائل لأنه لا يريد شغل المسلمين بهذه الأمور التي تضيع وقتهم الذي يجب أن يصرفوه في تبليغ الدعوة والجهاد في سبيلها تنفيذًا لأمر الله ورسوله.

ويظهر هذا السلوك الاستعماري بوضوح في ما قامت به القاديانية من إثارة موضوع المسيح عليه السلام: "هل قتل وصلب أم لا، وهل رفع إلى السماء أم لم يرفع، ثم هل رفع وهو ميت أم وهو حي، ثم بإثارة موضوع نبوة ميرزا غلام أحمد، فبهذا يشغل المسلمون بغير الأمور الهامة بالنسبة لهذا العصر عصر الإعداد والقوة والعمل والكفاح , يقول أبو الحسن الندوي عن القاديانية: إنها بقيت مقتصرة على إثارة المناقشات الدينية والمباحثات حول موت المسيح وحياته ونزوله ونبوة ميرزا غلام أحمد مما لا اتصال له بالحياة العامة والمسائل الإسلامية والحركات التي كانت مظهرا للغيرة الإسلامية، والشعور السياسي في هذه البلاد" (١) .

فهم يريدون بإبراز هذه الأمور الخلافية إضاعة جهودهم في معارك جانبية بعيدة عن معركة الإسلام الكبرى معهم أنفسهم.

يقول الأستاذ محمد المبارك في رسالته ذاتية الإسلام أمام المذاهب والعقائد: "ومن هنا يتبين خطأ من يصرفون همهم إلى أمر قد يكون في ذاته مطلوبًا أو ممنوعًا في الإسلام، ولكن في مقابلة أمر أخطر منه بكثير , فالبلاد الإسلامية مبتلاة في هذا العصر بخطرين عظيمين هما الاستعمار والإلحاد، أي الاستيلاء على الأرض والاستيلاء على العقيدة , أي إتلاف ثرواتها المادية والمعنوية وسلبها. ولو تم الاستيلاء على البلاد وتهديم العقيدة واستمر لما أمكن إقامة شعائر الدين ولا القيام بأوامره وتطبيق أحكامه. ولذلك فإن صرف أذهان الناس إلى قضايا أخرى وجعلها محور النضال الإسلامي إلهاء عن أهم القضايا الأساسية التي هي الاستيلاء على البلاد الإسلامية أو السيطرة عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فهل يجوز في مثل هذه الحال تقسيم المسلمين إلى من يقولون بأن التراويح ثمانية ومن يقولون بأنها عشرون وإلى القائلين بتكرار الجماعة أو عدمها أو احتدام معركة السنة والبدعة في أمور لا تمس العقيدة، أنا لا أقول إنه لا تبحث هذه الأمور بحثًا علميًّا بل أقول إنه يجب التنبيه حينما يكون الأمر ماسًّا بالعقيدة ويحسن التنبيه إلى الطريقة الصحيحة في العبادات لأن العبادات توقيفية فلا زيادة ولا نقصان فيها عمَّا أمر النبي ـ صلوات الله عليه ـ أو فعله ومع ذلك فإذا كان ذلك يحدث فتنة أو يحدث خصومة بين فئتين من المسلمين وجب ترك ذلك لما يترتب عليه من منكر أعظم , ولما ينشأ عنه من تقسيم المسلمين إلى فئات متعددة في ظروف وأحوال لا يجوز فيها تفتيت القوى ولا الاشتغال إلا بالقضايا الأساسية الكبرى". (٢)


(١) الفكر الإسلامي الحديث: ص ٢٨
(٢) ذاتية الإسلام: ص ١٣ ـ ١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>