أبرز مدارس الغزو الفكري ثلاثة: العلمانية، والحداثة، والاستشراق.
المبحث الأول
العلمانية
(أ) العلمانية في التاريخ:
في غمرة صراع مرير وقاس بين بعض حكام أوروبا في القرون الوسطى وبين نظام كنسي اتسم بالطغيان والأنانية والشر والفساد وهو إلى ذلك يضفي على نفسه حلة العصمة والقداسة باسم الدين ويغلو في استغلال الدين استغلالًا شائنًا، ثار العقلاء والأحرار، وأعلنوا فصل الدين عن الدولة هناك، وانطلقوا يسيرون شؤونهم بمنأى عن تلك السلطة القائمة.
وجاء الاستكبار الصليبي العسكري والسياسي الحديث للبلاد الإسلامية التي ليس فيها شيء من تلك الأوضاع السيئة التي دعت إلى فصل الدين عن الدولة في أوروبا، فدعت في بلاد المشرق الإسلامي إلى فصل الدين عن الدولة فأبعد الإسلام عن جميع الميادين، وحصلت ازدواجية في كل شيء، حتى حرر المسلمون أنفسهم بالجهاد الإسلامي من ربقة هذا الاستكبار وجدوا أنفسهم أمام تركة ضخمة من القوانين، وجيش جرار من ضحايا الغزو الثقافي في ميدان الفكر، يحرضونه على المحافظة على المستورد من تلك القوانين ولو ناقض دين الأمة وحضارتها بلا أي مبرر.
(ب) العلمانية في العصر الحديث:
لئن كانت العلمانية ضرورة أو حاجة في أوروبا أمام طغيان سلطان الكنيسة فلا حاجة لنا بها نحن المسلمين لأنه ليس عندنا كهنوت ولا كنيسة، ولا يملك أحد لأحد مغفرة ولا جنة ولا حرمانًا، فالإسلام يختلف عن غيره بهذه البساطة والفطرة.
ولكن الغزاة أرادوا إزالة الإسلام من الحلبة، فهم يخشونه ويخافون منه ويحسبون له ألف حساب، ولذلك أقنعوا الناشئة من شبابنا بقضية فصل الدين عن الدولة، واستبقاء الدين للعبادة فحسب وعزله عن مكانته القيادية في المجتمع الإسلامي فأحدثوا فكرة العلمنة وروجوا له بشكل ملحوظ حتى أصبحت لدى أكثر ناشئتنا من المسلمات لأنهم أفاقوا عليها لا يعرفون غيرها , فظنوا أنها هي القاعدة والأصل، ولم يعلموا أنها دواء وصف لمرض في غير بلادنا ولغير أقوامنا..!! (١) .
(١) انظر في ذلك كتاب (الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي) للدكتور محمد البهي في مواطن متعددة